+ A
A -
كرم الحليوي

عقدت وزارة الثقافة أمس، ندوة بعنوان «تاريخ الأندلس» وذلك ضمن موسم الندوات الذي تنظمه الوزارة في نسخته الثانية، بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومكتبة قطر الوطنية في الفترة من 4 حتى 19 مارس الجاري.

وأقيمت الندوة في قاعة بيت الحكمة، بمقر وزارة الثقافة بحضور سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني، وزير الثقافة، وجمع من الأكاديميين والمثقفين.

وشارك في الندوة كل من الناقد والروائي الدكتور نزار شقرون مستشار ثقافي بوزارة الثقافة، وعدد من أعضاء فريق برنامج همة الذي أنتجته وزارة الثقافة مؤخرا حول التاريخ الأندلس وهم الإعلامي والشاعر السعودي بدر اللامي والإعلاميان القطريان سعود الكواري ومحمد الشهراني وأدارت الندوة الإعلامية إيمان الكعبي، مدير المركز القطري للإعلام.

وقدم الدكتور نزار شقرون خلال الندوة ورقة علمية بعنون «أيّة ضرورة اليوم لدراسة التاريخ الأندلسي؟ (92هـ-711م/‏798هـ-1492م)، أكد خلالها على أن العودة إلى التاريخ الأندلسي يشكل خطوة أساسيّة لفهم عناصر الهويّة العربيّة الإسلاميّة، حيثُ لا يُمكن إقصاء أكثر من ثمانية قرون من الحضارة خارج التفكير في الهويّة الحضاريّة للعرب اليوم، كما لا يُمكن أن يظلّ التراث الثقافي الأندلسي بعيدا عن الأجيال العربيّة التي من حقّها أن تطّلع على الثروات الرمزيّة التي تركتها الحضارة الأندلسيّة في الحضارة العربيّة أوّلا وفي الحضارة الإنسانيّة ثانيا.

وقال: إننا بحاجة إلى نحت خطاب جديد بشأن هذه الحضارة الثريّة يُمكّننا من الوقوف على مكوناتها ودورها في إبداع نموذج للتقدّم في فترةٍ كان فيها الغرب غارقًا في ظلماته، مشيرا إلى أن المثقفين الإسبان تنبهوا مؤخّرا إلى إهمالهم لـ«الحضارة الأندلسيّة» بوصفها مكوِّنا من هويّتهم، فعادوا إلى دراستها، رغم أنّ معالمها ظاهرة في لغتهم وأنماط حياتهم وعمرانهم.

وأشار الكاتب الدكتور نزار شقرون، إلى أن كثيرا من الكتاب الإسبان في القرن التاسع عشر قد عانوا من عواقب تناول الوجود العربي في إسبانيا بسبب سريان قانون محاكم التفتيش الذي ألغي عام 1824م، بينما تواصل العمل بمحتواهُ في أعراف المجتمع الإسباني لسنوات.

وأضاف أن الباحثين العرب تنبهوا إلى مزايا الدراسات الأندلسيّة مؤخّرا بعد اهتمام المستعربين الإسبان بالتراث الأندلسي، الذي ظلّ غائبا عن التداول العلمي، بينما شاع التناول الرومانسي في الدراسات العربية لحضارة بلغت مرحلة الأطلال في الذاكرة الجماعيّة، وطغى الاهتمام بأسباب سقوط الأندلس على أسباب بلوغ الحضارة أوج ازدهارها.

وشدد شقرون على أن فتح الأندلس عام711م لم يكن مجرّد توسّع جغرافي أو نشرا للدين الإسلاميّ فقط في شبه الجزيرة الإيبيريّة، بل كان منطلقًا لتأسيس حضارةٍ. ولم يكن مضيق جبل طارق مجرّد موقع تتصارع حوله قوى إقليميّة للسيطرة عليه، فقد ظلّ في ذاكرة العرب المسلمين رمزا للخطوة التي قطعها طارق بن زياد في القرن الثامن للميلاد، ليدشّن «عصرا جديدا» حمل في داخله بذور الاختلاف والتميّز في الحضارة العربيّة الإسلاميّة.

وأشار في مداخلته إلى تأثّر الثقافة الأندلسيّة بالنتاج العلمي والفكري والأدبي للعرب المسلمين في المشرق، فقد أخذت منه الكثير من مكوّناتها، ولكنّها تميّز عنه في آن واحد، حيث صارت الأندلس بعد أقل من قرنين قبلة أهل الشّرق، منوها بأن البيئة الأندلسيّة وسَمت التعبيرات الثقافيّة للأندلسي واحتضنت إبداعه، غير أنّ الأندلسيين لم يبرعوا في منتجاتهم الثقافيّة إلاّ في مراحل تاريخيّة محدّدة على امتداد حضارتهم.

وأوضح أنه على الرغم من تقلبات السياسة في الأندلس، من ازدهار وانحطاط فإنّ الثقافة الأندلسيّة ظلّت قائمة إلى حين سقوط غرناطة، بفضل دور الحكّام في رعايتها، فقد لعب الحكّام في الأندلس دورا أساسيّا في تطوير الآداب والفنون والعلوم أو في التضييق عنها أحيانًا، وساهمت الأوقاف من الحكّام أو من عامّة الناس في تشجيع طلاّب العلم ونشر الكتب وإنشاء المكتبات العامة في المدن الرئيسيّة مثل قرطبة وإشبيليّة وغرناطة، دون الاقتصار على المكتبات الخاصّة لتشكل المكتبات عاملاً أساسيّا من عوامل نهضة المجتمع الأندلسي في فترات ازدهاره.

وأوضح أن التعبيرات الأدبيّة والفكريّة في «العصر الأندلسي» اتصلت بسائر أنواع الآداب في المشرق، فقد جلب العرب الوافدون إلى الأندلس ما عرفوه من آداب سادت في المشرق العربي من فنون النثر مثل الخطابة والترسّل والمناظرات والمقامات وفنون الشّعر والموسيقى والغناء.

وشدد شقرون على العامل الأساسي لاستمرار أكثر من ثمانية قرون من الإبداع الحضاري المتفاوت من مرحلة إلى أخرى في شبه الجزيرة الإيبيريّة لم يكن الجغرافيا؛ فقد سكنها الإسبان وعاشوا في أمّية ولم يبدعوا شيئا وكانوا دون همم تُذكر، بينما استطاع العرب المسلمون بناء حضارةٍ بفضل اعتمادهم على مقوّمات أساسيّة لتحقيق نهضتهم.

وكان العلمُ من بين أهمّ تلك المقوّمات، وكان نشاط ترجمة العلوم من أبرز الأنشطة التي تعكس حرص الأندلسيين على أخذ المعرفة من الثقافات الأخرى.

وقال إن أهمّ مكتسبات الحضارة الأندلسيّة أنّها تعاملت مع الإرث الثقافي العربي السابق عليها تعاملاً نقديّا، فقد أدرك الأندلسيّون أنّ لكلّ مرحلة حضاريّة تحدياتها ولا يُمكن قياس الحاضر بالغائب، فكان مفهومهم للزمن مختلفًا عمّا نظرت إليه الثقافات السابقة، ممّا جعل الحداثة الغربيّة لاحقًا، تأخذ بهذا المفهوم وتُغلّب التفكير في الحاضر على التفكير في الماضي، وهو المفهوم الذي ينبغي أن نلتزم به وأن نغلّب التفكير في حاضرنا أكثر من التفكير في الماضي، وأن نتعلم من هذه الحضارة التي ما تزالُ في حاجة إلى اكتشاف.

ودعا الدكتور نزار شقرون في نهاية حديثه إلى أهمية تأسيس مركز يعنى بدراسة الحضارة الأندلسية ليكون منطلقا حضاريا جديدا.لا بد من الوقوف على مكوناتها ودورها في إبداع نموذج للتقدّم

copy short url   نسخ
16/03/2023
720