+ A
A -
كرم الحليوي

تحت رعاية وبحضور سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة، واصلت وزارة الثقافة فعاليات النسخة الثانية من «موسم الندوات 2023» الذي تنظمه بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث أقيمت أمس في معهد الدوحة للدراسات ندوة «المعمار في ثقافتنا» وكان ضيفها المعماري العربي الدكتور عبدالواحد الوكيل.

وقدمها الإعلامي والفنان أحمد عبدالله والذي بدأ الندوة قائلاً إننا نفتح معكم نافذة كبيرة على «فن المعمار» لنستكشف وإياكم الأثر المتبادل بين الثقافة باعتبارها حاملة لروح الشعوب والمعمار باعتباره تجليا إبداعيا عن تلك الروح. ولأننا نعتبر أن المعمار يمثل انعكاسا لثقافة أي مجتمع، فإنه يصبح بشكل ما نوعا من التعبير عن متطلبات أي مجتمع وما يشهده من تغيير وتطور.

وأشار إلى أن الندوة هدفها هو توضيح العلاقة الإشكالية بين ثقافتنا العربية الإسلامية وتراثنا المعماري الأصيل النابع من عمقنا الثقافي وتنوعنا الحضاري.

ومناقشة كثير من القضايا المعمارية مثل العمارة في ثقافتنا العربية والإسلامية كجزء من هويتنا، المؤثرات الثقافية والفنية التي تأسست عليها العمارة العربية.

وآفاق تطور العمارة الإسلامية، إضافة إلى طرح فرضية الحديث عن «عمارة خليجية» أو فن عمارة حديث حاملة لخاصيات فنية واضحة وقوانين معرفية راسخة.

واستهل المعماري العربي الدكتور عبدالواحد الوكيل محاضرته بالحديث عن الأشكال الثابتة للعمارة في كل الحضارات، مؤكدا أنها موجودة عادة في العقل الباطني للإنسان. واعتبر أن المصريين القدماء كانوا مميزين في الرمزيات، وإبرازها عبر الهيروغليفية، بالإضافة إلى تميزهم في البساطة فيما يخص إنجاز المباني، حيث إنجزوها في أشكال دائرية، كما استعمل الشيء ذاته الإنجليز.

ولفت إلى أن البساطة كانت موجودة في كل الحضارات القديمة، إلى أن حدثت الكارثة بالنسبة للمدن القائمة حاليا، بتغيير شامل في أشكالها. وتحدث الوكيل عن مواصفات البناء المعماري الحديث وامتزاجه بالتراث المعماري. كما تحدث عن طراز المدن القديمة والتي بنيت عكس المدن الجديدة والتي أصبحت مكتظة دون فراغات بحسب قوله، وإن وجدت هذه الفراغات، فإنه يتم استثمارها كمواقف للسيارات.

وأشار الدكتور الوكيل إلى اختفاء المناطق المخصصة للمشي بالمجمعات السكنية وقال إن ذلك يشوه المنظر العام للمدينة، كما أن دخول السيارات للمجمعات السكنية أثر سلبا على منظرها وعلى هوية المعمار العربي الإسلامي.

وضرب مثالا بالمدينة المنورة والأحياء القديمة فيها، وقال إنه كان في زيارته لها في فترة السبعينات يتجول في تلك الأحياء إلى أن وصل إلى خارج المدينة دون أن يشعر، واصفا جمالية تلك الأحياء والمباني، وقال إن دعوته إلى أن نعود إلى التصاميم القديمة لأحيائنا جعلت البعض يتهمه بالرجعية في أفكاره، معتقدين أن ذلك غير ممكن التحقيق في زمننا هذا، لكنه فند ذلك التصور بوصفه لمدينة وول ديزني التي طبق فيها أمران من الحضارة الإسلامية وهما الأمان والنظافة، مشيرا إلى أن هذه المدينة التي يقصدها آلاف الأشخاص يوميا لا تسير فيها السيارات.

وتحدث الوكيل كذلك عن زيارته إلى مدينة روما لتقييم مسجد المدينة هناك، ولفت انتباهه أنه لا شيء يعلو فوق قبة الفاتيكان، وقارن ذلك بالحال في بعض العواصم الإسلامية، وقارن بين المدن الجديدة والقديمة في بعض العواصم العربية، وانتقد البنايات الطويلة التي تأخذ كل واحدة منها شكلا ولونا مختلفا، معتبرا أن جمالية المعمار الإسلامي كانت تظهر في توحيد التصاميم والألوان، وقال إن البيوت العربية القديمة كانت تتميز بسقف واحد بفتوحات بالإضافة إلى حدائق وبساتين تشكل فسحة للسكان.

وقال الدكتور الوكيل إن هناك رموزا في الفن تتبع الحضارات الكونية عموما، وعن طابع المدينة الإسلامية قال إنه كان عبارة عن قباب ومآذن الآن تغير الطابع وأصبحت السيارات معيقة للحركة ومقيدة للإنسان، وبالتالي فإن نجاح المدينة ينبع من ضرورة أن يكون لها شخصية وبها ما يجذب مع أهمية صنع هوية تميز البناء، كما أنه من الضروري أن يتم العمل عبر سيكولوجية الألوان وطول البناء وخامته، مؤكدا على أن الأمر يستلزم كذلك الاعتماد على مهندسين يمتلكون القدرة على التفرقة بين المعمار الفارغ من الثقافة والمعمار الذي يعبر عن شخصية البلد التي تحتوي هذا البناء أو ذاك، وقال إن عودة المدينة العربية بجمالها القديم يستلزم الرجوع إلى ثقافتنا الأصلية، مع الالتزام بقوانين الهندسة، كما شدد على أهمية تواجد التناغم. وقال إن هناك ثوابت ومتغيرات، ومن هنا يجب الالتزام بتلك الثوابت التي لا يمكن العمل بدونها، أما المتغيرات فهي الخاضعة للتقدم التكنولوجي، الا أن التغيرات لا يجب أن تكون صادمة ولكنها يجب أن تأتي بانسيابية وتتواءم مع تطورات العصر، كما أن التكنولوجيا لا يجب أن تنال من الحضارة ولكن عليها أن تكملها.

وأبرز الوكيل أهمية تواجد الحرف التي لا يجب أن تنهيها الميكنة، مشيرا إلى أن كثيرا من المتخصصين في مجال الهندسة اكدوا على مر العقود السابقة انه لا يمكن أن تنال الماكينات من جماليات الحرفيين، حيث سيظل الناس متعلقين بالفنون التي يبدعونها، وقال إنه على الرغم من أن الصناعات اليابانية قضت على كثير من الحرف اليدوية نجد أنها هي نفسها قد عادت بتلك الحرف وأصبحنا في بلادنا ندرك أهميتها، وبالتالي لابد أن ندرك أن لا شيء يمكن أن ينال من الطبيعة.

وقال المعماري الدكتور عبدالواحد الوكيل إنه عند تصميم المدن لابد من مراعاة أن يكون للمدينة شخصية وهوية وأشياء جذابة في تصميمها.

مشيرا إلى أن المكان له سيكولوجي، والأشكال لها سيكولوجي، وأن الرسومات الهندسية لها تأثير على الإنسان، وعلى سبيل المثال كلما كانت الأسقف منخفضة يكون تأثيرها سلبيا على الإنسان.

وقال إن العمارة هي ثقافة ولا تدرس كهندسة، وإن تصميم البيوت القديمة فيها ما يسمى السرداب والمشربيات والحوش.

copy short url   نسخ
15/03/2023
270