+ A
A -

أرسلت كلمات ودودة عبر خاصية «الفويس نوتس» لمعايدة صديقات بناتي.

اطلعتني ابنتي على الردود، ثم همست

: لقد آثرْن الرَدّ كتابًة ليقينهن ببشاعة صوتهن!

لا تسعفني الزفرات حسرات على صبايا ريّانات يَغْمُطن أنفسهن لمعاناتهن «الديسمورفيا» أو الصورة المشوهة عن الذات باعتقادهن أن صوتهن قبيح!

دهشتي شبيهة بتلك التي أصابتني حين اطَّلعت على ما خطه «كافكا» بمذكراته: «كوني أفتقد لقدرات لغوية»!

لقد مات كافكا جاهلًا بقيمة كتاباته، حتى أنه أوصى بحرقها.

ولقد لَمست عوامل مشتركة في الأسر التي يُعاني صِغَارها من «الديسمورفيا» منها:

-إعلاء اللوجستيات على الإنسانيات وغلبة السلوك العملي على العاطفي فحتى مهاتفاتهم تكون لوجيستية، فالبعض يرتكز في قيمته الابائية على الإعالة المادية ثم يندهش لتفكك علاقته معهم عقب استقلالهم.

تلك العائلات توفر الكهرباء لكنها تبتر عنهم الضياء بدفئه.

يقومون بتأمين العلاج لكن ينزعون الفاعلية من الدواء حين يتركون وجوه أبنائهم عليها عَبْرَة وأفئدتهم ترهقُها حَسرة.

موائدهم عامرة بالجداء لكنهم يجبرونهم على تناولها بشراب الأسى.

ينفقون على التعليم، لكنهم يُعْوِزُنَهم إنسانيًأ، عدا أن لُغة التخاطب هازئة، ناهيكم عن التندر من مصائبهم علنًا، والوجه صارم للصغار وبسّام للأصدقاء! والسُباب حِمَم، والصمت مُسَرْبَل بالتوعد، ثقيل كهموم تسقط همم، ودماء الكرامة محيطات تُخَضِّب الوسائد وتنتهك براءة طفل مسجّى في سريره، يتوسد كفيه، لكن هيهات أن يَقْلَق الربّان، فمهما نبهته أن ابنه من صلبه

ومهما أقسمت عليه

إلا أنه عازم على أن يحول الصُلب لهَشِيم!

الركون لتربية الأبناء بالشدة عوضًا عن تقديم القدوة، أو بسياسة «الدِچا فو»، فالأمر لا يحتاج سوى للاتصال بماما، وكأننا بإزاء اتباع وصفة «ستي» الخاصة بالشاكرية!

-الميل للثرثرة عن الأبناء لا التحدث معهم -إلا للجلل- وأحياناً التحدث عنهم -في حضورهم- بصيغة الغائب!

علمًا بأن عدم التباسط مع الصغار في الصغائر لن يجعلهم يُفضون للأهل عن الكبائر. وهبّ أفصحت بُنَيَّة لوالدتها عن عنت زميلتها، فسوابق الأم قد كرّست سياسة الإنكار دون التقصي، فتُقسر الصغيرة نفسها عن الشكوى لأن حلم الفوز بيانصيب الحنان العائلي غير مسموح بمداعبتها.

- ثمة شعور بالعدل يُخَالِج الأهل لدى الضغط على بَنيهم لحِساب الغير الذين يعاملون «كموز المستورد» فيما يعامل الأبناء «كفول حيراتي». عدا أن الجرائم النفسية طبيعتها «ميكروسكوبية»، يسهل الشعور بها فيما يصعب إثباتها، سيما أن الأهل يمتلكون أنجع الذرائع المسوغة للتنصل الذي يرفع عنهم مسؤولياتهم في الدفاع عن مواليهم.

لن يغيب عن الأهل الإحساس بالذنب تجاه صغارهم، لكنه سيتراجع عن حاشية الشعور الذي سيحتل مركزه لوحة العدل المحمودة من الأغراب.

- منابع العنف المنزلي ناعمة كون منشأها الرحم الذي يتوقع منه الابن الحنان، فالأم هزت مهده، لكنه فوجئ بها كسبب رئيس في اهتزاز شخصيته.

-تبعات العنف يفرد لها أسفار وأدناها الشعور بالتهميش وقد تصل للاكتئاب الذي قد يدفع للإدمان، وقد يفضي للإنتحار.

فأجهزتهم المناعية النفسية تصبح عديمة الفاعلية، فينسلون للتصحر داخل عزلتهم مع الهواتف، الإباحيات أو قد ينساقوا لعلاقات مدمرة وجدوا فيها «قبول» لشدة ما لاقوا من صَدّ. ثم يندهش الأهل لعدم السماح لهم بالإقتراب من عوالم أبنائهم إلا في النادر من مختلس الفرص.

- فرض مسافة مع الأبناء أقرب كالتي بين المديرين والموظفين، وفي حين ينكرها البعض، فهناك من يجاهر بعدم تطلعه لحب صغاره، لاستعذابه رؤية طوابير الأبناء، فيضان قِيَانِ جاثٍ يرسم مظاهر التبجيل لقوانينه، أو ذباب كلما ذُبَّ، آب، ما يَشي بِعَدم إدراك البعض لكونهم المرساة الوجودية الأولى لبنيهم.

- تعويل تلك الأسر على المُسَلمات التي تُرسخ لمكانة الأباء كزبائن -دائمًا على حق- فكرامة الأبناء لا ديّة لها من قبل سدنة القمع ما يشجع البعض للتعاطى مع صغاره كموظف قطاع عام يضمن راتبه دون شرط الكفاءة.

كما أن التعنيف يتم خفية، وإن تم الإفصاح عنه، فهو مُبَرر ومُمَرر من المجتمع، ما يجعل الأباء آمنين من العقوبة.

يَظَل الأسوأ من التسلط هو صدوره ممن يمنحون الورود والرصاص في وجبة «كومبو».

copy short url   نسخ
11/03/2023
55