+ A
A -

قال أحد الكتاب ذات مرة إن التصدي للكتابة عن المرأة ليس بالأمر الهيِّن السهل الذي نلمسه خلال الكتابة في موضوع آخر، لا لشيء إلا لتعدد أدوارها وثراء عطائها في الحياة، فالسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالة هل نكتب عنها كأم، أم كزوجة، أم موظفة، أم ناشطة في مجالات مختلفة أم كقائدة، ويضاف إلى هذا ظن البعض – وليس كل الظن إثما – أنها أي المرأة لم تستوف كامل حقوقها بعد، ومع ذلك نجد أنه لا مناص من الكتابة عنها، بل نجده واجبا، وخير من يخاطب عن المرأة المرأة، وها أنا أفعل فأكتب عنها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس كل عام، وهو نفسه الذي يحتفل فيه الناس بما يطلق عليه عيد الأم، وذلك بتاريخ الحادي والعشرين منه، وإن كنا نرى قصورا اجتماعيا يعتري معنى هذه المناسبة الأخيرة، إذ أن الاهتمام بالأم يجب ألا يقل في أي يوم من أيام السنة عن الاهتمام بها في ذلك التاريخ.

لندع هذه المقدمة وندخل في صلب الموضوع، لنرى أن المرأة في معظم دول العالم ومنها قطر بالطبع قد حازت حقوقها بالفعل، وبالتالي أثبتت وجودها، وأوفت بوعدها وعهدها، وحققت النجاح الباهر في كل موقع أو موضع وُضِعَت فيه، سواء في ميدان الإبداع الفكري، أو التقدم العلمي، أو التطور التكنولوجي أو النمو الاقتصادي، ولم يبق فرع من فروع المعرفة والعمل إلا ويظفر بإسهام كبير منها، دون أن يكون على حساب دورها كأم أو حياتها كزوجة، وموجز القول دون أن يكون على حساب استقرار الأسرة وترابطها كأساس متين لبناء المجتمع.

أثبتت التجارب أن المرأة لم تكن في يوم ما عاجزة عن إثبات وجودها في أي حقل أو ميدان كان حكرا على الرجل، وكل ما في الأمر أنه كانت تنقصها الفرصة، ولما واتتها اقتحمت بجسارة وشطارة، وشرف وإقدام، وأنهت بذلك عهدا اتسم بوجود وظائف وأدوار معينة لا يؤديها إلا الرجل، بل وصل الأمر إلى قول البعض «أصبحنا نرى الآباء في البيت والأمهات في العمل».

رأينا المرأة في كثير من الدول شاركت في رحلات غزو الفضاء، واعتلاء منصة القضاء، وحلقت جوا بأنواع الطائرات، وبرا بقيادة أحدث القطارات، وبحرا بكبريات السفن تمخر بها عباب المياه في أعالي البحار والمحيطات، كل هذا على أساس من الخبرة والمعرفة، والإدراك والحكمة، وبعد النظر والتَّحمُّل والجلد، والصبر والمثابرة، والقدرة على اتخاذ القرار.

والمرأة القطرية ليست بمنأى عن هذا كله، بل في قلبه وذروته، استطاعت كشقيقاتها العربيات أن تتألق في ميادين عدة كرائدة وسيدة أعمال واقتصادية وسياسية ودبلوماسية ورئيسة تنفيذية وغير ذلك من الشواغر، وأن تتحمل مسؤوليات وتبعات منصب القيادة، لما تتمتع به من الموهبة والكفاءة والريادة، مستلهمة هذه الروح وهذا الطموح من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، صاحبة الفضل في تزكية حماس القطريات.

يضاف إلى هذا طبيعة دور المرأة بشكل عام في الأسرة القائم على التوازن بين متطلبات واحتياجات كل فرد فيها، فهي كأم من تتولى المسؤولية المباشرة عن تربية الأبناء، وتعزيز الطموح لديهم في سلك التعليم، وتنشئتهم على الأخلاق والسجايا الحميدة، ومنحهم الحب والعطف والحنان دون مقابل، وكزوجة اكتسبت مهارة العمل بروح الفريق من خلال شراكتها مع زوجها في الإدارة الاقتصادية ورسم خريطة المستقبل للأسرة، ومرافقتها له في مشوار حياته تقف بجانبه في السراء والضراء، تخفف عنه وقت الشدة، وتثني عليه عند الرخاء، وتهيئ له الجو الملائم والبيئة الهادئة كي يفكر ويبدع للارتقاء بالأسرة.

فاعتماد هذا التخطيط والاستراتيجيات السليمة داخل المؤسسة التي تقودها، وتوجيه أفراد الفريق الذي يعمل تحت قيادتها أو رئاستها، وتوزيع المهام عليهم توزيعا سليما، بحسب مهارات وإمكانات كل منهم جعلها ناجحة في الإسهام بمشاريع التنمية المستدامة التي أصبحت الشغل الشاغل للمجتمعات، ولقد أثبتت دراسات واستطلاعات عدة أن العمل الذي تقوده امرأة يتسم بتوزيع المزايا على الجميع بالمساواة، ولا مجال فيه للنفاق لأنه يصطدم مع طبيعة عطاء المرأة الدفَّاق.

ومن الطبيعي أن المرأة لم تصل إلى مواقع القيادة إلا بعد التدرج النموذجي في السلم الوظيفي دون خلل بقوانين ولوائح العمل التي لا تفرق في الثواب والعقاب بين الرجل والمرأة، وقبله الحصول على مستوى متقدم من التعليم الذي أصبح إلزاميًا للجميع دون أي تحيز أو تميز.

كل هذا جميل وهو ما نادت به المرأة، وكافحت ونافحت من أجله، وبقي عليها أن تحافظ على هذه المكتسبات بتحصين نفسها من الدعاوى الهدامة تحت شعارات خادعة وبراقة مثل «حرية المرأة»، وبالتأكيد نحن مع حرية المرأة قلبا وقالبا، لكن حرية المرأة التي نعرفها ونفهمها هي حرية العقول والمواهب لا حرية الغرائز.

أما حرية المرأة أو حقوق الإنسان عند جماعات شاذة في الغرب ويريدون تعميمها، فتتمثل في الإباحية الجنسية والمثلية المهينة، التي تُنافي الفطرة السليمة والأخلاق القويمة، وللأسف استطاعوا أن يوصلوا أصواتهم إلى كل مكان من خلال تقارب العالم مع بعضه، بانتشار الكلمة المسموعة والمطبوعة، والصورة المرئية المتحركة والثابتة، ووفرة المواصلات التي تحمل الإنسان إلى أي مكان بأسرع مما يسري الصوت في الهواء.

أحببت أن أختم بناقوس الخطر هذا للمرأة لتكون على بصيرة من أمرها، وعلى بينة مما يدور حولها، وتحذر مما يحاك لها، ولتأخذ حذرها، ولا تخسر مكتسباتها، والله من وراء القصد.حلقت جوا بالطائرات وبرا بالقطارات وبحرا بالسفن في أعالي المحيطاتتبوأت القيادة وحققت الريادة في ميادين العمل كافةأنهت عهدا كانت بعض الوظائف فيه حكرا على الرجلفي العمل قلقة على البيت وفي البيت قلقة على العمل

copy short url   نسخ
08/03/2023
485