+ A
A -
أحد الأسباب الرئيسية للغضب الأوروبي الغربي من تركيا هو شعور الأوروبيين بأن أردوغان يعمل على إحياء الأمة التركية والنهوض بالشعب التركي بعدما نجح الغرب طوال مائة عام في إسقاط الخلافة الاسلامية وهدم الأمبراطورية العثمانية، وأكثر من ذلك بناء نظام علماني تابع للغرب كان يعتبر حفظ القرآن جريمة يعاقب عليها القانون، فكان الأتراك يحافظون على دينهم كما القابض على الجمر، فجأة وبعد أكثر من مائة عام إذا بالأتراك يستيقظون مرة أخرى ويسعون لتغيير الدستور العلماني، بل وإزالة النظام العلماني وأن يكون هناك رئيس يتحدث عن الاسلام ويذكر الله وإذا بالشعب يلتف حوله ويستعيد هويته، وكما استخدم الغرب سلاح الانقلابات العسكرية للحفاظ على الهوية العلمانية لتركيا إذا بانقلابهم الأخير يفشل فشلا ذريعا، وإذا بالدستور الذي وضعه الغرب على وشك أن يغير، يقظة الأتراك ترعب الأوروبيين لأنها ستعيد لهم الهوية والدين وستعيد لكل الشعوب الناطقة بالتركية سواء في آسيا الوسطى أو التي كانت تحت الخلافة الاسلامية في قلب أوروبا هويتها وانتماءها، وتخرجها من إطار الهيمنة والاستعلاء الغربي.
ما يؤكد على هذا ما يقوم به الغرب منذ اندلاع الثورات العربية في العالم العربي في نهاية العام 2010 في تونس وبعدها في مصر ثم سوريا وليبيا واليمن، فالسبب الرئيسي وراء عدم نجاح هذه الثورات حتى الآن هو الجهود الغربية الكبيرة التي دعمت ولا تزال تدعم الثورات المضادة في كل هذه البلاد وتحول دون إرادة الشعوب في التحرر من ربقة الاستعمار والاحتلال غير المباشر من خلال الأنظمة التي زرعها الاستعمار في العالم العربي بعد خروجه الظاهري خلال القرن الماضي، فالشعوب العربية كانت وما زالت ترزح تحت أنظمة تابعة للدول الغربية في سياساتها وأدائها وكان الغرب الذي يتغني بالديمقراطية وحقوق الإنسان يغض الطرف ــ ومازال ــ عن كل الجرائم التي ترتكبها هذه الأنظمة طالما أنها تدين بالولاء له وتحول دون تحرر الشعوب العربية والاسلامية في قرارها حتى لاتفرض سيادتها على الجميع .
الغرب يدرك أن قرار الشعوب بالتحرر من ربقة الأنظمة الاستعمارية غير المباشرة قد اتخذ بالفعل وأن المسألة ليست سوى مسألة وقت، وأن الدماء التي سالت في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا هي دماء التحرر، وكل ما يقوم به الغرب الآن هو عملية تأخير لتحرر الشعوب العربية قدر الإمكان، فالمعطيات كلها تشير إلى أن أوروبا تمر بأصعب حالاتها الاقتصادية والسياسية وأن عملية التحول السياسي والتراجع الاقتصادي في أوروبا هي إيذان بتغير عجلة الزمان، وهذا ما يجعل خطاب أردوغان قويا ضد الأوروبيين في هذه المرحلة لأنه يدرك أنهم في مرحلة ضعف شديدة، ففي كل يوم يخرج مسؤول أوروبي يتصريح يعلن عن مخاوفه من أن تلغي تركيا تعهداتها الخاصة باللاجئين ومن ثم تغرق أوروبا بمراكب المهاجرين فتضعهم أمام مأزق إنساني وسياسي واقتصادي، أوروبا تعيش مأزق التحولات ومنها التحولات في العالم العربي والإسلامي الذي يعني نهضة الأمة من جديد وهذا ما يخيف الغرب.
بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
28/03/2017
123539