+ A
A -
عندما تصدى العقاد لإثبات أن الثقافة العربية هي أم الثقافات العالمية وأن إدعاء الباحثين الغربيين عن تخلف الأمة العربية في ميادين الفكر والأدب والثقافة عن اليونان والعبرانيين، انتهى إلى أن هذا الإدعاء ليس إلا الميراث التاريخي وعداء الاستعمار وعداء الأنانية والأثرة.

يقول العقاد إنه لم يفعل ذلك لكي يمحو الفضل لصاحب الفضل وإنما هدفه أن يدفع الشبهات التي يتهم بها بعض الباحثين في الغرب وينكرون فضل العرب على الإنسانية. ومن هذه الشبهات ما يقوله بعضهم إن العرب بعثوا بالدين ولم يبعثوا بعلوم وثقافة الحياة الدنيا، حتى أن منهم من قال لا يفلح عربي إلا ومعه نبي! وأوغل بعضهم في الإدعاء فقال إن العرب لا يصلحون إلا محكومين لأنهم لا يحسنون صناعة الحكم والدليل على ذلك خروجهم من الأندلس. وقال آخرون إن العرب لا يحسنون صناعة الحضارة. وكل هذه الإدعاءات تتهاوى عند النظر المنصف عبر التاريخ، فإذا كان العرب قد خرجوا من الأندلس فقد خرج الرومان من كل وطن دخلوه وهم سادة الاستعمار القديم، ولم ينشروا ديانتهم في أمة حكموها بل انقادوا لديانة المحكومين، والإنجليز وهم سادة الاستعمار الحديث خرجوا من الولايات المتحدة بعد أن سكنها معظم المهاجرين إليها منهم، وخرجوا من الهند بعد أن استقروا في كل بقعة فيها لأكثر من قرنين، ولم يمكث سادة الاستعمار الحديث كما مكث العرب في الأندلس لقرون طويلة، ولم يتركوا من الأثر الحضاري والثقافي والبشري ما تركه العرب في الأندلس.

وقد ترك العرب في الأندلس أثراً في القارة الأوروبية أخرجها من عصر الظلام إلى عصر النهضة وعصر الإصلاح، وقصور الحمراء والزهراء وما يماثلها من القصور قامت بالإبداع العربي دليلاً على تقدم العلوم والصناعات والفنون عند العرب.. ولقد كان العرب سادة الملاحة بين الهند وفارس وسواحل إفريقيا الشرقية ولذلك سمى البحر كله باسم بحر العرب، وفي التجارة تفوق العرب منذ أقدم العصور في التجارة مع الهند وإندونيسيا والصين وإفريقيا الوسطى.

ويثبت العقاد أن التاريخ سجل الفضل للأمة العربية على الحضارة الأوروبية، وإن كانت للعرب اليوم أخطاء غير قليلة فهي ليست صفة من صفاتهم وليست أبدية وهم قادرون على تصحيحها، وهذا لا يغير من الحقيقة التاريخية وهي أن العرب – تاريخياً- سبقوا السابقين في ثقافة المعرفة، وثقافة العقيدة قبل أربعين قرناً، وما كان في الزمن الماضي يمكن أن يعود في الزمن القريب والزمن البعيد.. ويستأنف العرب مسيرة التفوق والسبق.

وقد تتلمذ العبريون على العرب وكانوا تلاميذ لابن رشد في الأندلس وكان أبرز فلاسفتهم «ابن ميمون» الذي يرى أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاءت دعوته لهداية الإنسان إلى الكمال وبسبب هذا الرأي ثار عليه المعصبون من قومه وأحرقوا كتابه (دلالة الحائرين) وكذلك الفيلسوف العبري ابن جبيرول الذي أخذ كتابه (ينبوع الحياة) من كتب الإسلاميين، وحتى القرن السابع عشر كان أشهر الفلاسفة اليهود باروخ سبينوزا (1632- 1677) وكانت نشأته الفكرية بدراسة الفكر العربي الإسلامي، كذلك كان الشعر في الجزيرة العربية أقدم من الشعر في اللغة العبرية.

هكذا أفحم العقاد كل من ينكر فضل العرب على الحضارة والثقافة الإنسانية، وأتمنى أن يكون ذلك ضمن مناهج الدراسة في المدارس والجامعات العربية ليعرف الشباب تاريخهم ويفخروا بأصولهم.



بقلم : رجب البنا

copy short url   نسخ
22/01/2016
1122