+ A
A -
عندما طرح الأديب السوداني الراحل الطيب صالح مقولته: «من أين جاء هؤلاء!» وكان ذلك في مطلع التسعينيات من القرن الماضي مستشرفا آفاق حقبة مظلمة في التاريخ السوداني. لم يكن في واقع الأمر يطرح سؤالا، بل يصوغ تعجبا، والسبب أن السؤال يتعلق بالبحث عن الإجابة، في حين أن التعجب هو مجرد استنكار.
فالطيب كان مستغربا، مندهشا، هل هؤلاء يشبهون الشعب السوداني، خصاله وحكمته وفضائله، تصوفه العميق وروحه المسالمة ومعدنه الرائع!
قطعا ليس السودانيون هم ملائكة. لكن على أي حال، فإن السمة الغالبة هي الصفاء والأخلاق الحسنة، وفي أقل من عشر سنوات كان ذلك يتحول إلى مزبلة التاريخ، بفعل الخلل الذي حصل في منظومة القيم في المجتمع جراء الشرخ ما بين المبادئ والممارسات، لتثبت التجربة السودانية في حكم الإسلامويين إنها بعيدة عن المثال الذي يدعون له في العلن.
قبل أسبوع كتبت الصحف الأميركية عن شاب سوداني ساعد امرأة يهودية في قطارات نيويورك عندما تعرضت للضرب من قبل رجل متهور وهائج ومجنون، وكيف أنه قام بالواجب. كما يقال. واستلم المهمة إلى أن أسلم الجاني إلى الشرطة التي كرمته وأصبح بطلا في ولاية نيويورك، نال التبجيل وشغل الإعلام الأميركي.
والشاب المراهق إذ عمره فقط 17 سنة اسمه أحمد خليفة، وهو سوداني تربى في أميركا في بروكلين، وكان في اليوم نفسه عائدا من مكتبة يعمل بها في إجازته، ما يدل على حب المعرفة والعلم. والغريب أن السيدة التي دافع عنها كانت تقرأ كتابا سقط على الأرض مع نظارتها التي كانت تحاول الوصول إليها بصعوبة مع الدم المتناثر في أرضية القطار.
مقابل هذه الصورة والتربية وقاموس قيّم في الأخلاق الرفيعة للشاب أحمد، الذي يذكرنا بأحمد الذي صنع الساعة الذي يقيم في قطر حاليا.. هناك وقبل يومين جاء دبلوماسي سوداني ليخرب كل شيء، واسمه محمد عبد الله علي (49 سنة) قام بالتحرش بامرأة في القطارات نفسها بحسب صحف أميركية وتلمس جسد امرأة، ولم يراع أي حرمة لمكان عام ولا قبل ذلك الوازع الأخلاقي الذي مفترض أن يتحلى به كدبلوماسي جاء من دولة لها قيم ومجتمع يجب أن يقدم صورة زاهية له.
صورتان متناقضتان.. يمكن أن تعملا بعض الشيء على فك الشيفرة التي طرحها الطيب صالح، الاستغراب لا الاستفهام. عن من أين جاء هؤلاء!
إن المفارقة ما بين القصتين تعكس ببساطة أن الأصل متين، وأن أحمد وهو يحتك بالمجتمع الأميركي ظل ذلك الشاب الشجاع والجسور الذي يحترم الكل، وأخذ الإيجابي من هنا وهناك، فقد رد على بعض الناس الذين قالوا له «إنها يهودية»، ببساطة: «لكنها امرأة».
copy short url   نسخ
11/01/2017
1476