تخيل أن حركة اجتماعية قوية – مع الاعتراف بصعوبة فصل الاجتماعي عن السياسي - قد اعلن عن تدشينها بعنوان «امنعوا السفور».

تخيل ايضا، أن اجتماعات، ولافتات، وشعارات، وتغطية صحفية وتليفزيونية واسعة حظيت بها الحملة.

تخيل كذلك، ان قادة الحملة، وأصحاب المبادرة، وسدنة المشروع، هم من اصحاب الوجوه المعروفة، بتبني فكر معين، ينشغل كثيرا، بملابس المرأة، عن أي قضية مجتمعية اخرى، ويستنفر قواه الاعلامية والخطابية، من اجل تغطية شعر المرأة أو وجهها، حتى وان انفصل ذلك عن جوهر سلوكها الاخلاقي، أو انفصم عن قناعاتها الدينية.

ما سبق مرحلة أولى من التخيل.. لننتقل إلى المرحلة الثانية الآن، والتي لابد ان تحمل عنوان، تخيل ردة العل.

ردة الفعل، التي يمكن اعتبارها تخيلا واقعيا، ان صح التعبير، ستكون عبارة عن برامج تليفزيونية، وصفحات صحفية، ومقالات رأي. ضيوفها وكتابها، وجوه معروفة، بالنضال من اجل منع أي مظهر إسلامي عن الشارع، - حتى وان كان شكليا -،.. فهذه ناشطة ومسؤولة باتحاد نسائي تصرخ... ألن يكف الناس عن التدخل فيما تلبس المرأة، وما لا تلبس؟ لماذا لا تظهر الحركات لتمنع الرجل من لبس أو خلع ملابس معينة؟ ألن نتحضّر أبداً؟ ألن نفهم معنى حقوق الإنسان بغض النظر عن كونه امرأة أو رجلا؟.. وهذا كاتب يؤكد ان غياب السافرات علامة دامغة على تخلف المجتمع.. وتلك سيدة من القواعد من النساء، تقطع بان المجتمع اصيب بالكآبة، منذ ان حلت «السلام عليكم» بدلا عن «صباح الفل» في التحية اليومية بين الناس... وهذا مفكر رصين، ممن يستبق اسمهم بحرف الدال.. الدال على تحصله على درجة علمية رفيعة في العلوم الاجتماعية والسياسية، يؤكد ان مثل هذه الحملات، هدفها تغييب الناس عن القضايا الكبرى، كالعدل والحرية والمساواة ومكافحة الفساد الذي يدفع الفقراء فاتورته الباهظة. وهو ما يجب ان يكون همنا الاكبر وشاغلنا الابرز في هذه المرحلة، وان ملابس المرأة هو آخر ما يجب ان ننشغل به.

وهذه كاتبة تنعي على دعاة الحملة ومؤيديهم، انهم يتعاملون مع المرأة باعتبارها جسدا بدون عقل، وان الاوجب هو النظر إلى ما تنجزه المرأة من علم وعطاء لمجتمعها في كافة المجالات، وتجزم بان التدخل في ملابس المرأة قمع معيب لحريتها، التي كفلها لها الدستور والقانون.


اذا كنت تخيلت ما سبق، فدعني اطلب منك معتذرا، ان تتخيل العكس، فالحملة ليست متعلقة بمنع السفور، وانما هدفها الذي يناضل مطلقوها من اجل تحقيقه هو «منع النقاب».. لست في وارد الحديث عن شرعية النقاب فقناعتي الشخصية انه ليس مفروضا ولا مرفوضا. ولكن فقط اطلب تخيل ردة فعل معاكسة على الداعي لهذا الملبس من مؤيديه، ونكوصا من دعاة الحرية والانشغال بالقضايا الكبرى، وتراجعا مرعبا في الحديث عن العدل والحرية والمساواة..

خلاصة.. الحملة الحقيقة والمتخيلة، كلاهما جر للدين والمجتمع من ذيله.. وبالطبع إلى الخلف.



بقلم : محمود عيسى