+ A
A -

لا يمكن في هذه المساحة الصغيرة رصد حجم النزيف البشري الذي ضرب الرقعة العربية منذ نهايات القرن الماضي وبداية القرن الحالي إلى اليوم. فقد ارتفعت معدلات هجرة العقول بشكل مخيف وتحولت إلى الضفة الشمالية من المتوسط أو ما وراء المحيط الأطلسي بعد أن عجزت أغلب دول المنطقة على إدماج نخبها في النسيج الاقتصادي. قد لا تبدو خطورة هذه الظاهرة جلية للعيان اليوم لكنها ستكون كارثية العواقب في السنوات القادمة.

في شمال إفريقيا أي تونس والجزائر والمغرب بلغ النزيف أقصى مداه بعد أن هاجر آلاف الأطباء والمهندسين والباحثين والخبراء بحثا عن فرص جديدة للعمل والرزق والحرية. فقد سُدّت الأبواب أمام الطاقات الشابة وتحولت الأوطان إلى بيئة طاردة لأبنائها ولم يبق أمام ملايين الشباب العاطل إلا الهجرة إلى فضاءات أرحب.

خذ مثلا قطاع الصحة فقد غادر من الجزائر وحدها آلاف الأطباء نحو فرنسا في السنوات الأخيرة وهم يعملون فيها برواتب أقل بكثير من راتب الطبيب الفرنسي لكن الطبيب الجزائري يرفض رغم ذلك العودة إلى وطنه والعمل به. في تونس نفس المنوال تقريبا حيث أقفرت المستشفيات من الأطباء ومن المختصين وتحولت البلاد فريسة للمصحات الخاصة وقس على ذلك كل القطاعات الحيوية تقريبا.

ما هي الحلول خاصة وأن الأزمة تتفاقم كل يوم ؟ لا توجد حلول على المديين المتوسط والقريب وهو ما قد يؤدي إلى خلل كبير في الميزان الديمغرافي من ناحية وإلى شلل بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية في دول هي في أمس الحاجة إلى الطاقات الشابة.

إن هجرة العقول هي الشجرة التي تخفي هجرة أخطر تتمثل في أمواج الهجرة غير الشرعية خاصة في صفوف الشباب وظهور أمواج المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. هذا الوضع الجديد أصبح يدق ناقوس خطر وجودي على مجتمعات هذه الدول التي تواجه خطر تغير طبيعتها السكانية في السنوات القادمة.

لن تكون الوضعيات الجديدة للمجتمعات إلا محركا لهزات قادمة قد تهدد استقرار عدد من الدول بسبب انتشار الفقر والجريمة والبطالة والسخط الاجتماعي. بل إن الأزمات العالمية ممثلة في ضعف امدادات الطاقة وندرة المواد الغذائية قد يقود إلى حالات من الانفجار الداخلي.

copy short url   نسخ
23/02/2023
540