بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
العُجْب هو عبارة عن تصور استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقا لها. وقال الغزالي: العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم. وقال ابن حزم رحمه الله: (الْعُجْب أصل يتفرع عنه التيه والزهو والكبر والنخوة والتعالي وهذه أسماء واقعة على معان متقاربة. ولذلك صعب الفرق بينها على أكثر الناس).
ومع ذلك فقد تكلم العلماء وخاصة أهل اللغة عن الفروق بين العجب ومترادفاته فالفرق بين العجب والكبر: قال أبو هلال العسكري رحمه الله: (الفرق بين العجب والكبر: أن العجب بالشيء شدة السرور به حتى لا يعادله شيء عند صاحبه تقول هو معجب بفلانة إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه إذا كان مسرورا بخصالها. ولهذا يقال أعجبه كما يقال سر به فليس العجب من الكبر في شيء، وقال علي بن عيسى: العجب عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها وليست هي لها).
وقال الغزالي رحمه الله: (فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به وبه ينفصل الكبر عن العجب كما سيأتي فإن العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجبا ولا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره).
والفرق بين العجب والتيه: قال مرتضى الزبيدي رحمه الله: (ونَقَل شَيْخُنَا عن الرَّاغِبِ في ألفَرْقِ بَيْن المُعْجَبِ والتَّائِهِ، فَقَالَ: المُعْجَبُ يُصَدِّقُ نَفْسَه فِيمَا يَظُنُّ بِهَا وَهْماً. والتَّائِهُ يُصَدِّقُها قَطْعاً). أما الفرق بين العجب والإدلال: يقول المحاسبي: (إن الإدلال معنى زائد في العجب وهو أن يعجب بعمله أو علمه فيرى أن له عند الله قدراً عظيماً قد استحق به الثواب على عمله، فإن رجاء المغفرة مع الخوف لم يكن إدلالاً وإن زايل الخوف ذلك فهو إدلال). وأما العجب في القرآن الكريم فقد وردت فيه عدة آيات تبين خطره، وتنبه على أنه آفة تجر وراءها آفات دنيوية وعقوبات أخروية، قال الله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)، (قال جعفر: استجلاب النصر في شيء واحد، وهو الذلة والافتقار والعجز.. وحلول الخذلان بشيء واحد وهو العجب..).
وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَأوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا). قال ابن عاشور رحمه الله: (ضرب مثلا للفريقين للمشركين وللمؤمنين بمثل رجلين كان حال أحدهما معجبا مؤنقا وحال الآخر بخلاف ذلك فكانت عاقبة صاحب الحال المونقة تبابا وخسارة، وكانت عاقبة الآخر نجاحا، ليظهر للفريقين ما يجره الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الإرزاء، وما يلقاه المؤمن المتواضع العارف بسنن الله في العالم من التذكير والتدبر في العواقب فيكون معرضا للصلاح والنجاح).
وقال تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا). يقول العز بن عبد السلام: (زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضا، أو يريد: كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً فلذلك لا تبلغ ما تريده بكبرك وعجبك، إياساً له من بلوغ إرادته).
وقال تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ إِذَا كَلَّمْتَهُمْ أَوْ كَلَّمُوكَ، احْتِقَارًا مِنْكَ لَهُمْ وَاسْتِكْبَارًا عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَلِنْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ وَجْهَكَ إِلَيْهِمْ... وقوله تعالى: ولا تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً أي خيلاء مُتَكَبِّرًا جَبَّارًا عَنِيدًا، لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ يُبْغِضُكَ اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ أَيْ مُخْتَالٍ مُعْجَبٍ فِي نَفْسِهِ فَخُورٍ أَيْ عَلَى غَيْرِهِ).
والعجب كبيرة من كبائر الذنوب التي تستحق غضب الله ومقته وعذابه في الدنيا والآخرة. فهو سجية مذمومة، وطبع سيئ مبغوض، قال ابن حزم: (إن العجب من أعظم الذنوب وأمحقها للأعمال. فتحفظوا حفظنا الله وإياكم من العجب والرياء). ويقول الغزالي رحمه الله: (اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا). ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عز وجل: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم وقال تعالى (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
بل عده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نوعا من أنواع الشرك فقال: (وكثيراً ما يقرن الرياء بالعجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، العجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) والمعجب لا يحقق قوله: (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فمن حقق قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) خرج عن الرياء ومن حقق قوله: (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) خرج عن الإعجاب.
ويتكلم الإمام ابن حزم رحمه الله عن علاج العجب فيجعل له علاجاً عاماً يتداوى به كل من أصيب بهذا الداء العضال والآفة القاتلة، وهذا العلاج يكمن في التفكر في عيوب النفس والنظر إلى نقصها وضعفها فيقول رحمه الله تعالى: (من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه. فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه، فليعلم أنه مصيبة للأبد وأنه أتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً وأضعفهم تمييزاً.. فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة..
ثم تقول للمعجب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، ولا تميل بين نفسك وبين من هو أكثر منها عيوباً فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر.