+ A
A -

تعطلتْ ناقلةُ نفطٍ عملاقة، وحاول المهندسون والميكانيكيون إصلاحها، ولكن دون جدوى، وبينما الجميع في حيرةٍ من أمرهم، أخبرهم بحَّار إنَّ في قرية قريبة ميكانيكيا عجوزا اعتادوا أن يُصلحوا عنده قواربهم الصغيرة وهو ماهر جداً، ولأنه لم يكن هناك من حل آخر وافق القبطان على استدعاء البحار العجوز! جاؤوا به على جناح السرعة، سألهم بعض أسئلة عما حدث معهم، ثم وقف صامتاً يتأمل المحرك الضخم للناقلة، وبخطى واثقةٍ تقدم نحو المحرك وجعلَ يتحسس بيديه أجزاءه، ثم وضع بقلم رصاص أخذه من فوق أُذنه دائرة على جدار المحرك، وعاد إلى شنطة عدته وأخرج منها مطرقة، وطرق طرقةً قوية في وسط الدائرة، وقال للقبطان: أَدِر المحرك!

وكم كانت الدهشة عظيمة حين اشتغل المحرك بالفعل!

سأل القبطانُ الميكانيكيَّ العجوز عن الأجر الذي يريده، فقال: عشرة آلاف دولار!

ولأن القبطان رأى هذا مبلغاً مبالغاً فيه نظير طرقة واحدة، قال للميكانيكي: هل لكَ أن تكتبَ لنا فاتورة مفصلة بالأتعاب؟!

تناول الميكانيكي ورقة وكتب فيها: دولار واحد أجرة الطرقة، و9999 دولاراً لتعرف أين تطرق، الخبرة تساوي وزنها ذهباً!

وعلى سيرة الخبرة، قرأتُ منذ أيامٍ مقالةً في صحيفة «Bloomberg» كتبتها الصَّحفية «راشيل تريزمان» عن مجموعة من الخبراء عام 1923 تنبؤوا فيه شكل الحياة بعد مائة عام، أي في العام 2023 العام الذي نحن فيه الآن! وقد جاءت نبوءاتهم على الشكل التالي:

عام 2023 سيعيش الإنسان ثلاثمئة سنة، وسيتم القضاء على مرض السرطان، وسيكون دوام الموظفين أربع ساعاتٍ فقط، وسيقل عدد الأطباء لانعدام الأمراض، جميع النساء سيكُنَّ جميلات ولن يكون هناك قيمة لمسابقات الجمال!

واضح أن هؤلاء الخبراء عندهم خبرة في كل شيء إلا في الأشياء التي يتحدثون عنها!

وهذا يكاد يكون شيئاً مشتركاً على مرِّ العصور بمن يقدمونهم للناس على أنهم خبراء!

الفرق بين الميكانيكي العجوز، والخبراء المزعومين، أن الميكانيكي العجوز كان عنده خبرة حقيقية، اكتسبها في سنوات طويلة من العمل، أما أولئك الخبراء المزعومين فكانوا تجار كلام بلا تجربة يمكن الاستناد عليها!

لا أُنكر أنه يوجد خُبراء في هذا الكوكب، ولكن أغلب الخبراء الذين نشاهدهم على الشاشات لديهم إلمام بسيط بما يتحدثون عنه، ولكن القنوات تفخمهم لتبدو أنها الجهة التي تستضيف الخبراء!

الأمر أشبه بأن تفتح حساباً بنكياً فتسمي نفسك خبيراً في شؤون المال، وأن تضعي «مسكرة» و«آيلاينار» فتسمين نفسكِ خبيرةً في علم الجمال! أو تحمل صخرةً فتدعي أنك خبير بعلم الجيولوجيا، أو تزور متحف اللوفر فتدعي أنك خبير في الفنون، أو تمرَّ مرور الكرام بغرناطة فتسمي نفسكَ خبيراً في العمارة الإسلامية، أو تقرأ صفحتين في صحيح البخاري فتعتقدَ أنكَ صرتَ مُحدِّثاً!

عموماً أنا لا أحب قطع أرزاق الخبراء، وأفكر جدياً أن أنضمَّ إليهم، البارحة اتصلت بي زوجتي وطلبت مني أن أُحضر معي كيلو لبن، ولا أُمانع أن تستضيفني قناة على أني خبير في شؤون الألبان والأجبان!

copy short url   نسخ
14/02/2023
110