+ A
A -

تعتبر المارشميلو من أشهى المأكولات حول العالم، وتمتاز بكونها خفيفة وذات ألوان زاهية تلفت النظر وتثير شهية الصغير والكبير على حد سواء. وقد ارتبط اسمها خلال نصف قرن من الآن بالصلابة والعزيمة وقوة الإرادة.

ففي سنة 1960م أجرى عالم النفس الدكتور «والتر ميشيل» تجربة أطلق عليها اسم «اختبار حلوى المارشميلو»، والتي جمع خلالها حوالي 600 طفل تراوحت أعمارهم ما بين 4 إلى 6 سنوات، ووضع أمام كل واحد منهم قطعة من حلوى المارشميلو الموجودة على طبق فوق الطاولة، وخيرهم بين أمرين:

الأمر الأول: تناول قطعة الحلوى مباشرة، والأمر الثاني: الانتظار لمدة خمس عشرة دقيقة قبل تناولها، في مقابل الحصول على قطعة أخرى كمكافأة.

كانت النتيجة أن معظم الأطفال قرروا الانتظار حتى يحصلوا على تلك القطعة اللذيذة الإضافية، في مقابل نسبة ضئيلة منهم فضلوا تناول قطعة حلوى الخطمي على الفور.

بيد أن ما حصل مع الأطفال الذين اختاروا الانتظار مدة 15 دقيقة، هي أن ثلثهم استطاعوا أن ينتظروا إلى أن انقضت تلك الدقائق، وحصلوا على قطعتهم الثانية، بينما لم يتمكن البقية ممن يشكلون غالبية من قرروا الانتظار من الصمود حتى النهاية، فانهارت إرادتهم واستسلموا أمام إغراء الطعم اللذيذ، فتناولوا قطعة المارشميلو قبل نهاية الوقت.

وقد اكتُشف بعد مراقبة الأطفال لعشرات الساعات عبر أشرطة فيلمية مسجلة، أن من استطاعوا مقاومة إغراء تناول المارشميلو لجأوا إلى ما يسمى «تشتيت الانتباه»، حيث لم يسمحوا للحلوى أن تسيطر على تفكيرهم، وقاموا بدلاً من ذلك بتغطية أعينهم تحت الطاولة وكأنهم يلعبون، أو غنوا أغنية معينة، أو قاموا بإدارة ظهورهم للحلوى حتى لا يروها فيغريهم شكلها اللافت والمثير للشهية. أي أنهم ببساطة شديدة اتبعوا استراتيجية تقوم على فكرة ذكية، وهي عدم التفكير في المارشميلو من الأساس.

وبعد إجراء تجارب متعددة خلال السنوات التالية تبين أن الأطفال الذين افتقروا إلى الصبر، فسارعوا إلى تناول حلوى المارشميلو قبل انتهاء المهلة المحددة، كانوا عرضة للوقوع في مشكلات سلوكية في حياتهم الأسرية أو المدرسة، وكانت نتائج امتحاناتهم منخفضة، كما لوحظ أن نسبة كبيرة منهم عانوا من الإفراط في تناول الطعام ومشاكل زيادة الوزن، إلى جانب إدمان التدخين أو شرب الكحوليات أو حتى تعاطي المخدرات مستقبلاً.

وليس ذلك فحسب، فقد لوحظ أيضاً أن تلك الفئة من الأطفال عانى أصحابها عند الكبر من قلة الثقة بالنفس والميل إلى الغضب والغيرة المدمرة، فضلاً عن عدم القدرة على التحكم في صرف الأموال، وانتهت زيجات كثير منهم بالطلاق.

في حين أن الأطفال الذين صبروا حتى انتهاء الوقت المحدد لتناول المارشميلو والحصول على قطعة حلوى إضافية، اتسمت حياتهم بالاستقرار والاتزان، فكانوا أكثر نجاحاً، واستطاعوا في كثير من المناسبات أن يضحوا بالمتع الآنية في سبيل الحصول على منافع مستقبلية أكثر قيمة، وكانت لديهم ثقة أعلى بالنفس، وقدرة على مواجهة التحديات، وحققوا نتائج أفضل في جميع مراحل دراستهم، وكانت زيجات أغلبهم ناجحة ومستقرة.

من هذا المنطلق، نفهم أن القدرة على ضبط النفس عامل مهم من عوامل النجاح. فقدرتك على تأجيل المتع الآنية قصيرة المدى في سبيل تحقيق نتائج طويلة المدى، أمر سيتحدد على إثره مدى نجاحك وسعادتك على الصعيدين الشخصي والمهني.

لهذا، فمن الأهمية بمكان أن تروض ذاتك، وتتعلم كيف تتحكم بمشاعرك ورغباتك، وتوجه سلوكياتك بما يخدم مصالحك المستقبلية بعيدة المدى، فلا تنجرف خلف المتع اللحظية، بل تضحي بالمكافآت الآنية في سبيل الحصول على ما هو أعظم وأكثر قيمة.

copy short url   نسخ
06/02/2023
90