+ A
A -
أدي ولد آدب

في الآونةِ الأخيرةِ تداولتْ مَواقِعُ التَّواصُلُ الاجتماعي خبَرا عن استحواذ سيدة على مبلغ كبير من ميزانية مشروع كانت محاسبته، ونظرا لأنَّ المرأةَ معْروفةٌ ببياضِ ذِمَّتِها المالية في التسيير الإداري، حيثُ لا تمْتلكُ عادةً جُرْأةَ المُغامَرةِ، بالمُساءلة القانونية، ولا ترغب في تشوية نضارَتها وسمْعتها بالجرْجرَة بين السُّجون، والمَحاكم، وأقفاص الاتهام، وبما أنَّ المرْأة في المُجتمع الموريتاني، تتمتع باحترام ومحبة الرجل، وعطفه، وحنانه، لدرجة أنه قد يموت مستبسلا دفاعا عنها، في معترك الحرب الرهيب، وقد يسرق المال العمومي، ويتعرض للسجون، من أجل تدليلها وإرضائها، مهما كانت التضحيات والمجازفات، نظرا لكل هذا فإنَّ بعض الشعراء الموريتانيين، الذين تعوَّدوا على تنَاهُبِ الحِسانِ لقلوبهم، المُشاعة للجَمَال الباهر، أيْنما تَجَلَّى، قد حرَّكت شاعريتَهم هذه الحادثةُ، التي كانت مُزعْزِعة لتصوُّرِهم القبْلي عنِ المرْأة، وصُورتِها النمطية في الذهنية السائدة لمجتمعهم، فتواطأوا على الإقرار للمرأة بحقِّها المَشروع في سرقة النفوس، مقابل تعففها عن الفُلوس، وقد تولد من هذا الملمح، ما يمكن أن نسميه «الغزل، بما يشبه الذم»، أو «الذم بما يشبه الغزل»، على غرار الفن البلاغي المسمى: «المدح بما يشبه الذم»، فكانت البداية مع المُدَوِّنُ الموريتاني الشاب المبدع الأمين مياه، حين قال:
زارتْكَ سارقةُ القُلوبِ عَشِيةً
مِنْ بعْد هجْعَةِ سائرِ السُّمَّارِ
ناشَدْتُها: باللهِ ربِّكِ أرْجِعِي
قلْبَ المُحِبِّ لجِسْمِهِ المُنْهَارِ
قالت: فؤادُكَ لمْ يكُنْ فِي محْرزٍ
مِن ثغْر مَيٍّ أوْ بَنَانِ نَوَارِ!
قلتُ: ارْجِعِي لِي بعْضَه يا هذه.
عَمَلًا بنهْج سَوارِقِ المِلْيَارِ
وقد سايرْتُه أنَا في هذا المعنى، فقلت:
ما كنْتُ أعْرِفُ -في بلادي- سارقَهْ
إلا لحَبَّاتِ القُلوبِ.. العَـــــــــــاشِقَه!
أو ســــارقات النظْرةِ.. العَجْلَى.. التي
تُحْيِي.. تُمِـيتُ.. تظلُّ.. صمْتا.. ناطِقَهْ!
كُلُّ النُّفوس.. لكِ.. اسْرقِيها.. أوْ دَعِي
أمَّا اسْتِــــــــرَاقُكِ.. للفُلوسِ.. فسَابِقَهْ!
وفي نفس المضمار، أبدع الأستاذ الشيخ أحمد البان، قطعته التالية:
سرقتْ فؤادُكَ بالدَّلالِ الآسِرِ
ورنَتْ ـ فمَا أبْقتْ ـ بطرْفٍ فاتِرِ
ومشتْ تُجاذِبُها الرياحُ خِمَارَها
فانْهَارَ من وَلَهٍ كيانُ الشاعِرِ
يا نِعمَ ما فعلتْ بنَا ألْحاظُها
ودَلالَها في خَطْوِها المُتَواتِرِ
هَذا.. أنَا.. لكِ.. يا أميرةُ.. إنَّني
رهْنٌ لديْك خواطري ومَشاعري
وقصائدي لكِ يا حبيبةُ فاكْتفِي
بقصائدي ومشاعري وخواطري
لا تسْرقِي غيْر القُلوبَ فمَا أرَى
لكِ حاجةً في مالِ «شعْب دَافِر»
يعني شعبا مفلسا، وكان آخر ما رصدْتُه، في هذا الصدد، قول المُدَوِّنِ سيدي ولد أعمر، مجاريا سابقيه:
حَلالٌ مَا سَرقتِ من الفُؤادِ
وما لاقيتُ من ألمِ البِعادِ
فتِلكَ سجِيّةٌ فِيكُنَّ عُظْمَى
وأمْرٌ في شرِيعتِكُنَّ «عَادِي»
وهذي أحْرُفي تنْسابُ شعْراً
فحُوزُي ما اشتَهيْتِ علَى سَدَادِ
وَلکنْ خَلِّ عنْكِ السطْوَ سِرّاً
وكُفّي يا رَبَابُ عن الفسَادِ
ورُدّي كلَّ فِلْسٍ صَافَحتْهُ
يَدَاكِ لِخَزْنَةِ الشَّعبِ المُقَادِ.
copy short url   نسخ
30/05/2016
3120