+ A
A -
عمان- الوطن- خالد سامح
عيسى أبو جودة من الأصوات الشعرية الجديدة في الأردن، والتي اختطت لها أسلوبا تعبيريا مختلفا على عدة أصعدة، لكن ما يميز تجربة أبو جودة أنه خاض غمار تجربة نظم الشعر باللغة الإنجليزية وله في ذلك ثلاثة دواوين وهي: (ظلال في باطني)، (ظلام وجمال) و(على هامش موتي)، كما أشهر مؤخرا في المركز الثقافي الملكي بعمان وبحضور نخبة من النقاد ديوانه الجديد باللغة العربية (فضيحة المجاز)، وله أعمال تحت الطبع.
والشاعر أبو جودة يعمل في وزارة التربية والتعليم، حاصل على شهادة الماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها، وهو منشغل أيضا في الترجمة وتقديم عدد من الأعمال الأدبية الأردنية والعربية باللغة الإنجليزية.
حول دوافع كتابته للشعر بلغة شكسبير، وما يغريه بتلك التجربة، وتأثره بالراحل الكبير محمود درويش.. وغيرها من المحاور كان لـ الوطن مع الشاعر الشاب هذا الحوار.
• أنت من القلائل جدا الذين خاضوا تجربة كتابة الشعر باللغة الإنجليزية في الأردن، ما الذي أغراك في تلك التجربة؟
- الإيقاع، يغريني في اللغة الإنجليزية إيقاعها، فالشعراء يلجأون إلى الصورة في محاولاتهم للتعبير عن الحالات الإنسانية المختلفة الحزين منها والسعيد، ولكني على النقيض من ذلك أجد أن الإيقاع الموسيقي للمفردة وللقصيدة ككل قادر أكثر على التعبير عن هذه الحالات الإنسانية وخاصة البسيط منها، فانظر مثلا إلى إيقاع المارة صباحا وانظر إلى ذات الإيقاع مساءً، في الصباح تكاد تكون خطاهم طازجة وهي أقرب إلى الشارع منها إلى الرصيف ولكنها في المساء تكون ثقيلة أقرب إلى الرصيف منها إلى الشارع. أما السبب الآخر فهو المفردة أو الكلمة فبحكم دراستي للغة الإنجليزية وآدابها فقد تعلمت شيئا في غاية الأهمية ألا وهو كيفية التوقف بالمفردة والتمعن بها وكيفية إجادة استخدامها في سياقات مختلفة، فاللغة الإنجليزية أتاحت لي التوقف بالجملة ككل وذلك لفك سطوة المعنى ومحاولة التعبير عنها بلغتي الأم فمن خلال قراءة الرواية والمسرحية والشعر الإنجليزي، أقصد هنا القراءة المتأنية والمتأملة فقد تعلمت قراءة الرواية والمسرحية والشعر العربي ولكن هذه المرة من خلال القراءة المتأملة الناقدة.
• في الكتابة الإبداعية باللغة الإنجليزية، ما أهم مرجعياتك الثقافية؟ وهل تأثرت بشعراء وكتاب تلك اللغة؟
- مرجعياتي الثقافية تكاد تكون قليلة أو بالأحرى شحيحة، فقد أخذت على عاتقي وحيداً طرق أبواب هذه التجربة الفريدة مستنجداً بالمخزون المعنوي فلا بد من التعبير عن الذات بصورة أو بأخرى ولكن أيضاً فلتكن هذه الصورة ذات تعبير فني راقٍ بما يكفي للتعبير عن هذه الحالة الإنسانية الماثلة في ظل غياب المقومات المادية الرافعة، فأذكر هنا- ليس من باب الإشادة ولكن من باب الإشارة- أني عندما تقدمت لواحد من الأساتذة الجامعيين بمخطوطي الأول للمراجعة، بعدما شرحت له تفاصيل التجربة، نظر إليَّ قائلا، «من أنت لكي تكتب باللغة الإنجليزية؟» وأدار لي ظهره قائلاً، «أغلق الباب من خلفك». ولكن المفارقة أني عدت بعد ما يقارب الخمسة أعوام أحمل في يدي كتابي الأول ووضعته له من شق الباب السفلي. أما في ما يتعلق بمن تأثرت فقد تأثرت بجو الرواية الغربية وكذلك المسرح، تأثرت بالجملة الإنجليزية البديعة في توصيف الشعور الإنساني والأجمل من ذلك كله الحرفية العالية في كيفية وضعها ضمن إطار مسرحي شعري عالٍ، اذ أني أجد أن اللغة الإنجليزية قد وظفت المسرح المفتوح بطريقة ذكية جداً ما برحت تغريني بالكلام.
• تبدو نبرة الألم والحزن بارزة في أجواء ديوانك الجديد باللغة العربية (فضيحة المجاز)، فماه الأسباب؟، وهل يتعلق الأمر بهجرة عائلتك من فلسطين إلى الأردن إثر الاحتلال الصهيوني، وما تبعها من معاناة ربما عايشت أوجه مختلفة منها؟
- من باب أننا نجيد التعامل مع أدوات الحزن أكثر منا إلى أدوات الفرح أجد أن رواية «أنت منذ اليوم» للرائع تيسير سبول هي القادرة على توصيف هذا الشعور العربي اليومي الحزين، الأسباب قد تكون الهزيمة العربية من الناحية الاستراتيجية وكذلك الفردية من الناحية اللغوية فتكاد تجد أن أدوات التعبير عند الفرد العربي معدودة أو مكررة، هذا أمر يدعو إلى القلق أكثر منه إلى الحزن، أدوات الفرد العربي اللغوية تكاد تكون شحيحة لذلك تجده يكتفي بالمشاهدة منه إلى المشاركة، لذلك تجده أقرب إلى مشاهدة مباراة كرة قدم منه إلى مشاهدة درس لغوي يعنى بالأخطاء المتبعة في طريقة التعامل مع فرشاة الأسنان، أنا في ما يتعلق بهجرة العائلة والمعاناة، نعم فالمنفى ثقيل وأدوات الحياة تكاد تكون هناك ثقيلة أكثر منها شحيحة والبعد الزمني والفارق اللغوي هناك مخيف أكثر منه حزين، لا أعرف لماذا ولكن تكاد تشغلني اللغة اكثر من أي شيء آخر فهي القادر الوحيد على توصيف هذا البعد الجغرافي المهزوم.
أما فيما يتعلق بالاحتلال، فهذه الفكرة النكرة أصلاً لا تثير فيَ سوى الضحك.
• ترفرف روح الشاعر الكبير محمود درويش في أجواء ديوانك الجديد، ما أثر التجربة الدرويشية في مزاجك الشعري؟
- عندما يضيق بنا الفارق نلجأ إلى المثال الأقرب في توصيف الحالة الأجدر، فالزمن متسارع حتى أنك لا تكاد تجد الوقت أحيانا لتفقد ياقة القميص في خضم مشاهد القتل والتنكيل في الإنسان العربي وفي الإنسان الفلسطيني خاصة، والمثال الأقرب لهذا غزة، فعندما يخونني الإيقاع ألجأ أحيانا إلى المشهد اللغوي ذي الجرس الأجمل، لما لا إذا كان الإيقاع يخدم الصورة، الصورة الدموية الممعنة في تأنيب الهوية الشخصية، ولكن أيضاً يحضرني الكثير من الكتاب وأحيانا كثيرة ألجأ إلى الموسيقى ويغريني جدا العزف المنفرد، الصورة مثقلة بالتضاد اللغوي ومن الجدير أحيانا الاستعاضة بالحجر، إيقاع الانتفاضة الأعلى والأجمل.
• تميل إلى قصيدة النثر أكثر، هل استقر الشعر العربي الحديث على ذلك النمط الإبداعي برأيك؟ وهل نشهد أفول زمن القصيدة الموزونة كما يرى بعض النقاد؟
- لا أعتقد ذلك، السبب الوحيد الذي يعبر عن هذه الحالة هو افتقارنا إلى الأنموذج العصري الأقرب، والسبب الآخر أيضاً افتقارنا إلى الدراسات النقدية الجادة التي تعنى بتفاصيل القصيدة النثرية لذلك تجد أن قصيدة النثر عرضة للتشكيك منها إلى الدراسة الجادة فهي أيضاً أداة من أدوات التعبير الإنساني لا بل هي الأداة الأشمل والأوسع ولي في الحرب الأخيرة على غزة خير مثال، فكل ما قد كتب في هذه الملحمة العربية الإنسانية لا يتعدى صوت الفقاعات اللغوية، قصيدة هنا وقصيدة هناك، فما أن يضيق بنا الوقت حتى تضيع في حمأة الجدال الدنيوي شأنها شأن الفرد الذي كتبها، فنحن على الأحرى نحتاج إلى ملحمة شعرية تؤرخ هذه اللحظة الحاسمة ذات الجرس الإنساني العربي الأصيل، ذات الباع الطويل في مناكفة العدو الأقبح وأجد أن قصيدة النثر قادرة وقادرة جدا على حمل هذه الأبجدية الأجمل، قصيدة النثر القادرة على حمل الإيقاع ستصبح عما قريب مشنقة لشعراء القافية.
وهنا لابد من الإشارة إلى قيمة التجديد لا فكرة التجديد في النص اللغوي المطروق، فلا بد من كسر هذه الإيقاعات المبتذلة ذات البعد الاجتماعي الساقط ولي في كسارة البندق خير مثال، وهذه أيضاً دعوة حيادية لقراءة فضيحة المجاز من باب ثقافي مدني لا أكاديمي مبتذل.
• ما تقييمك لمستوى النقد الشعري لا سيما ما يتعلق بمنجز الشعراء الشباب، محليا وعربيا؟
- أنا أحاول قدر الإمكان الاستماع إلى كل الأصوات الشبابية الجديدة، وحتى القديم منها، فثمة جمل شعرية جميلة تستحق منا الإصغاء أكثر منا إلى الكلام، فكل ما قد يقال فيهم لا يعدو نبرات التشكيك والإقصاء، حتى أن ما قد يقال فيهم لا يكاد يعدو السجالات الاجتماعية الغاية منها التهميش لا الإمعان في دراسة هذه الحالات الفتية الفريدة، هناك خلط كبير بين ما هو اجتماعي وثقافي، فنحن دائماً أيضاً نكتفي بالمثال الأوحد ونكاد نفتقر كثيراً إلى الجرأة في تناول الفكرة خوفا من الوقوع في الأخطاء وأحيانا كثيرة لأننا ما زلنا غير مؤهلين لذلك وهذه هي الحقيقة.
• أخيرا، هل من مشاريع شعرية قادمة؟
- نعم، أعمل الآن على إعادة قراءة لكتابي الجديد بعنوان، «ماكسيمليان روبسبير نشيد البعيد».
من أجواء ديوان «فضيحة المجاز»:
هناك التقينا فكان الأب القتيل
والولد الضحية
ما أن قلبوه على وجهه يفرغون جيب معطفه
حتى وجدوا
ما هو إلى السخرية منه إلى الدهشة أقرب
صابوناً وفرشاة أسنان
تثاءب الطبيب الجراح مقتبساً،
ولداً كهذا»
ما الذي سيفعله بجلد النمر الذي انتهى من قتله
بعد أن قاوم حصاره
لأكثر من نصف قرن.»
قلت:
يا لها من طريقة للموت جد استعراضية...»
حتى أشار أحدهم
يفرغ مشط المسدس بما لا أجد،
«يا له من بديل بريء للخيانة.»
ويبقى السؤال كأنف غزال
ضارب بالأفق
والمتسللون لمشهدي الملحمي يقفون عليه كذبابة
إذاً لا بد من طقوس للموت
كما هي الكتابة
فكما للقدس نجمة بأجنحة ثمانية تلمع
في عروق الحرير والدم
فلحيفا بحرها
ولعكا قمحها
ولغزة طقس السفر في وداع جبهة الميت
وتتويج ملوكها في بركة
الطفل القادم
وللشمس المقفاة في ثوب أمي
آذار
رحلة البحث عن بعل
في عالم بلا أنواء
ولأرض البرتقال الحزين يافا نجمة الخصب والحب
على الجدران والمنفى
أفراتة طقس الوداع في لقاء الغائب
بالخبز المغمس بالنبيذ والدعاء.
copy short url   نسخ
30/05/2016
3279