+ A
A -
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري

لم تعد السياحة ترفا، ولكنها ضرورة وتؤدي دورًا رئيسا في اقتصاديات الكثير من دول العالم، حيث تعتبر مصدرا هاما من مصادر الدخل القومي، وبما أننا نسعى في قطر لتنويع مصادر الدخل يتحتم علينا أن نوليها، أي السياحة، مزيدا من الاهتمام، لتصبح قطر دولة جذب على خريطة السياحة العالمية، فالمقومات عندنا تتفوق على ما لدى دول كثيرة تمكنت من تحقيق معدلات نمو مرتفعة للناتج السياحي، وترتبط بالتنمية الاقتصادية ارتباطا وثيقا، وتمثل أحد مصادر التجارة غير المنظورة، وعنصرا مهما من عناصر النشاط الاقتصادي في الدول المختلفة، ولذلك اهتمت بها المنظمات العالمية والدولية، كمنظمة السياحة العالمية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة اليونسكو التي أصبحت تنظر إلى السياحة كعامل هام من عوامل التقريب بين الثقافات المختلفة لشعوب العالم، وهذا الدور، أعني التقريب بين الشعوب، من الأدوار الأساسية المنوطة بدولتنا.

وقطر كانت حتى وقت قريب وجهة العالم وعاصمته أثناء المونديال، وكان من الطبيعي أن يكون لها نصيب وافر هذه الأيام من السياحة، نصيب يليق بذلك المستوى الرائع لتنظيم بطولة كأس العالم، قطر التي جذبت للبطولة مشجعين من الخارج فاق عدد ما جذبت روسيا ومن قبلها بقية الدول التي سبق أن استضافت البطولة تستحق أن يكون على أرضها الآن في هذه الأيام التي تشهد طقسا رائعا على الأقل مليون سائح، لقد قال الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل أسبوع ومن خلال إحصائيات دقيقة إن عدد من حضروا وشاهدوا مونديال 2022 بلغ أربعة مليارات فكيف لها لا تعج بالسائحين الآن؟!.

مدينة لوسيل الأروع على مستوى العالم، والتي كانت محط أنظار الكون كله كان من المفترض أن تشهد هذه الأيام فعاليات سياحية وترفيهية تليق بمكانتها الحالية وزخمها وتألقها ووهجها الذي استمتع به العالم كله، حتى الذين لم يحضروا المنافسات عرفوها من خلال الفضائيات.

نحن لدينا بنية تحتية سياحية تتفوق على تلك البنى الموجودة في الدول التي يقصدها عشرات الملايين من السائحين سنويا، لقد تغنَّى ضيوف المونديال بمستوى مرفق النقل، مترو الدوحة والترام والحافلات الحديثة ذات المقاعد الوثيرة، أشادوا بسلسلة المتاحف العالمية، وبشواطئنا وصحارينا، وبمولاتنا التجارية ذات الأسعار التنافسية وأسواقنا الشعبية التي كانوا يسهرون فيها حتى مطلع الفجر، ومستوى الأمن والأمان الذي كان حديث القاصي والداني، وإذا كان الانطباع الأول هو الذي يبقى ولا يُمْحى بفعل الزمن فإن الجميع قد حملوا معهم الانطباع الأروع من خلال سهولة الإجراءات في مطار حمد الدولي المصنف الأول في كل الخدمات على مطارات العالم كلها، ومطار الدوحة والموانئ وبمستوى الحفاوة والترحيب.

أين الخلل إذن ؟

هذا السؤال لابد له من جواب بقدر ما لابد أن تعود مدينة لوسيل وكل معالمنا السياحية لتنبض بالحياة من جديد، وتقام فيها فعاليات ترفيهية كتلك التي جذبت ضيوف المونديال بل على أوسع وأشمل، والجواب في تقديري يكمن في غياب استراتيجية ورؤية سياحية، وإذا كانت موجودة فهي على الورق فقط، ويكمن أيضا في غياب برامج ترويج تستفيد من هذه المقومات السياحية لدى الدولة.

لابد أن يكون تطوير السياحة تحديا حقيقيا وثمرة من ثمرات المونديال، ونعتبره إنجازا من إنجازات المونديال، نعطيه طابع الاستدامة والديمومة، ولن يتأتى هذا إلا بخطة واضحة المعالم، تتضمن تنظيم حملات ترويجية، تروج للأماكن السياحية في الدولة، فسمعة قطر أصبحت تتردد بالإيجاب في جميع المحافل السياحية العالمية منذ المونديال أو حتى من قبله، وبالأحرى منذ بدأت الاستعدادات له، وجميع خبراء السياحة الذين حضروا إلى الدوحة تحدثوا عن قطر بوصفها أفضل جهة ملائمة للسياح، كونها تضم المقومات التي يبحث عنها أي سائح.

النهوض بقطاع السياحة يتطلب خبرات حقيقية إدارية وتنظيمية ذات باع طويل في التسويق السياحي، كما يتطلب ضرورة تكاتف جميع الجهات المرتبطة بالقطاع السياحي مثل هيئة السياحة، قطاع النقل، الاتصالات، المتاحف، الثقافة والإعلام، البلدية والبيئة والتغير المناخي لتنسيق الجهود، فقد حان الوقت لشحذ الهمم ووضع خطط مع طموحات بمستوى بلد شهد العالم كله أنه نظم أفضل مونديال، يجب البدء اليوم وقبل الغد في وضع خطة نعتبرها تحدياً لجذب أرقام محددة لأعداد السياح، على أن تراجع هذه الخطة بين الحين والآخر، علينا أن نتحدى أنفسنا ونقول في نهاية 2023 أننا قد جذبنا خمسة عشر مليون سائح.

علينا الاتفاق مع وكلاء سفر وسياحة في الخارج لتوجيه السياح إلى قطر، وإعداد وعرض أفلام تسجيلية عن الأماكن السياحية والتسويق، وأفلام عن عروض على تذاكر الطيران وأسعار الفنادق، مزايا يحصل عليها السائح لا يجدها في الدول الأخرى.

لابد من تنظيم فعاليات ترفيهية ذات مستوى عالمي، فالسائح لم يأت كي يسترخي على الشواطئ أو يدور في المراكز التجارية فقط، بل يريد في الليل أن يحظى بعروض ترفيهية تدخل البهجة إلى قلبه تقام في مدينة لوسيل والملاعب التي استضافت مباريات المونديال والحدائق والمتاحف والكثير من دور العرض ذات الأجواء الفنية مثل مسرح قطر الوطني وقاعات كتارا ومؤسسة قطر وغيرها، وليس نقصانا ولا عيبا أن نستنسخ تجارب الدول التي حققت نجاحا كبيرا سواء في منطقتنا أو بعيدا عن منطقتنا.

نحن أكدنا في أكثر من مناسبة أن قاموسنا لا يعترف بكلمة مستحيل وإننا بلد الإنجازات، وإن شاء الله بتكاتف الجهود وإخلاص النوايا سنجعل قطر منارة سياحية وعندئذ سيكون لكل حادث حديث.

copy short url   نسخ
05/02/2023
5065