+ A
A -
كتب– مازن حماد
مع بقاء شهر واحد على احتلال الرئيس الأميركي الخامس والأربعين دونالد ترامب البيت الأبيض، تتدفق الأسئلة حول مواقفه المختلفة عمن سبقوه من رؤساء، في كل شيء تقريباً: روسيا، الصين، المناخ، التجارة الحرة، القدس وفلسطين وإسرائيل، سوريا، العراق، تركيا، والمسلمين والمهاجرون والكثير من القضايا الأخرى. رئيس متعب ومختلف في كل شيء ومبتدئٌ في كل شيء، ولكن كما قال صديقه فلاديمير بوتين، فإن نجاحه في إدارة مؤسسته العملاقة المنتشرة في «25» دولة على الأقل يعني انه لا يمكن أن يحظى بكل هذه التجربة ويكون قائداً فاشلاً لبلاده. يمكن تعقب الخطوط العريضة لما يمكن أن تستمر «حملة ترامب الصليبية» من خلال اختياره أثرياء مثله في مناصب قيادية على شاكلة «ريكس تلرسون» الذي اختاره لوزارة الخارجية و«ستيفن بانون» و«مايكل فلين» و«جيف سيشنز» وغيرهم من الشخصيات المحافظة. ويجمع بين هؤلاء أمر واحد مهم عدا الثراء، حيث يحفظون تاريخاً طويلاً من الصراع اليهودي– المسيحي الطويل ضد الإسلام، كما يقول بانون أو شن حرب عالمية ضد حركة جماهيرية يعتنقها أناس شريرون، كما يقول فلين مستشار الأمن القومي الجديد، قاصداً داعش والقاعدة.
وإذا كان بوش وأوباما حريصين على التمييز بين إرهابيي القاعدة وداعش وبين الإسلام نفسه الذي وصفاه بأنه دين عظيم يستحق الاحترام فإن فلين الحاقد كما يبدو، وصف الإسلام بالسرطان وبأنه حركة سياسية تتنكر- حسب زعمه- بمظهر الدين، وهو أيضاً كما ادعى، نتاج ثقافة أقل مستوى من الثقافات الأخرى المتساوية أخلاقياً، مضيفاً إن الغرب وخاصة الولايات المتحدة اكثر تحضراً بكثير من الإسلام واكثر خلقاً وأخلاقية. ربما تعكس أقواله المتجنية على ديننا الحنيف فكر ترامب بطريقة أو أخرى، غير أن الرئيس الجديد لم يذهب إلى هذا الحد من القذف والشتم والغطرسة العنصرية. ولعل أفكار الرجال المهمين من فريق ترامب تستحوذ عليهم رؤى مسيحانية متشددة مثل فلين، غير أن البعض يفضل التريث وعدم التوقف كثيراً عند تصريحات رجال ترامب، قبل أن يجلس الرجل على كرسيه ويمارس السياسات والمواقف.
وما دمنا نتحدث عن نظرة هذا الفريق الموغل في التطرف إلى الإسلام، فإن من المؤكد أن الفريق سيواصل الحرب التي يشنها «التحالف» بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش في سوريا والعراق وليبيا على وجه الخصوص. وبالنظر إلى بطء النجاح الذي يحققه الأميركيون في الحملة ضد الإرهاب، فان من غير المرجح أن يبدل فلين أو وزير الدفاع القادم «جيمس ماتيس» نهج أوباما القائم على دعم القوات المحلية بغطاء جوي ونشر أعداد قليلة من القوات البرية. كما يرجح أن تلجأ الإدارة الجديدة إلى طرق استعراضية لتحدي إيران.
مَنْ يختبر الصراع الحضاري؟
ولن يكون الذي سيختبر صراع ترامب الحضاري، هو الميليشيات الشيعية الإرهابية أو إرهابيو داعش والقاعدة المحسوبون على السنة – على الأقل في نظر الغرب– وأن كان هؤلاء جميعاً يؤيدون تصعيد الصراع ويسعون إليه فالذين سيختبرون مواقف ترامب هم المسلمون العاديون في جميع أنحاء العالم المسلم، فهؤلاء سيراقبون ويدققون في إجراءات ترامب تجاههم وهي إجراءات تصل إلى درجة تقييد الحريات والمراقبة المكثفة، وربما منع دخول الكثير من المسلمين إلى الولايات المتحدة.
لذلك يؤخذ على ترامب تركه السيسي يبدو كأقرب حلفائه في المنطقة إلى درجة دعوته لزيارة البيت الأبيض، وهو أمر حرمه منه أوباما، وسوف ترحب بعض الدول العربية بالعداء الأميركي المتصاعد لإيران وجماعة الإخوان المسلمين، كما يلتحق الأوروبيون بهذه الاستراتيجية، فيما عبرت حكومات يمنية في المجر وبولندا وغيرهما، عن سعادتها بخطاب ترامب المعادي للإسلام.
الترامبيون سيكافئون المسلمين الذين يعادون «الجهاديين» الذين سيكسبون جراء ذلك متطوعين جدداً ويرضيهم الحديث عن المشاركة في «حرب الحضارات» سواء في الشرق الأوسط أو في الغرب.
ثقة العرب بأميركا تهتز
منذ أواخر الأربعينيات، كانت الأنظمة العربية المحافظة والموالية للغرب تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها شريك وداعم موثوق لها ومدافع عنها عند الضرورة، لكن الأمر تغير خلال عهد أوباما؛ حيث بدأت ثقة هذه الدول بأميركا تهتز حتى وصلت إلى مستوى متدن بعد أن فشل أوباما في الالتزام بخطوطه الحمراء التي تعهد بها خاصة معاداة بشار الأسد إلى درجة أن بشار استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه عام «2012» ولم تحرك الإدارة الأميركية ساكنا، وساءت الأمور اكثر عام «2015» بعد توقيع إيران اتفاقها النووي المثير للجدل مع دول مجلس الأمن الخمس الكبرى وألمانيا، وقد عرف عن ترامب منذ وقت طويل أنه مناهض شرس لهذا الاتفاق الذي يعتبره أسوأ اتفاق وقعته الولايات المتحدة في تاريخها.
ورغم أنه تعهد بإلغاء هذا الاتفاق إذا اصبح رئيساً– وهو الآن رئيس- فإن الوعود الكثيرة المهمة والخطيرة التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية مرشحة للامتحان ومنها كراهيته الشديدة للحكم الإيراني، وقوله إنه سيؤيد توحيد القدس وتحويلها كمدينة موحدة إلى عاصمة لإسرائيل، وهو إجراء لم يجرؤ أي رئيس أميركي منذ زرع إسرائيل في المنطقة، على الإقدام عليه بسبب تبعاته على الأمن القومي الأميركي، بما في ذلك حياة الرئيس الذي يلجأ إلى مثل هذه الخطوة المنفرة لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
تهديدات تخضع للاختبار
كذلك تخضع تهديدات ترامب للصين والهند وانتقاده لاتفاقيات الاحتباس الحراري، والخطوات المعادية للمسلمين واللاجئين والسود واللاتينيين، ولكل الأعراق غير البيضاء، كما نقل عنه.. تخضع أقواله هذه كلها للاختبار. وحسب ما يقول محللون عقلاء، فإنه ما إن يصبح ترامب رئيساً حتى يبدأ بالتصرف كرئيس وبما تقتضيه مصلحة أميركا.
ويذهب بعض هؤلاء إلى توقع مفاجآت مذهلة من ترامب الذي سرعان ما يغير أقواله المجنونة، إلى كلام لا يصدر إلا عن عقلاء مجربين.
بوتين يسيطر
وخلال العام الماضي تمكن بوتين من السيطرة على مفاصل الحرب الأهلية السورية والشروع في هجوم كبير على منطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن الكرملين يهدف إلى تعزيز الوجود العسكري والدبلوماسي الروسي في شرق البحر المتوسط في الوقت الذي يسعى فيه إلى إضعاف وجود الولايات المتحدة هناك، وتسبب مشروع توسيع النفوذ الروسي بهذا القدر في مسارعة السعودية وبقية دول الخليج وكذلك إسرائيل وإيران إلى فتح خطوط تواصل مع موسكو وهنا يجب القول إن على إدارة ترامب المقبلة القيام بأعمال شاقة لاستعادة الثقة المفقودة من خلال تدابير مثل التشاور والتنسيق وعقد الاتفاقات الأمنية وتعزيز إمدادات الأسلحة ونشر القطع البحرية وتطبيق المزيد من الضغوط على إيران.
في الوقت نفسه تشكل رغبة ترامب في تحسين العلاقات مع روسيا جزءاً من اهتماماته، فيما لا تزال دول الشرق الأوسط تفضل العمل مع واشنطن وتفسر التعاون بين واشنطن وموسكو على انه تراجع أميركي لا شك فيه، وبطبيعة الحال يميل ترامب إلى تشجيع روسيا على تكثيف حربها ضد داعش الذي يقول الرئيس الجديد إنه السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
بداية التراجع
وفيما بدأ ترامب في النأي بنفسه عن بعض تصريحاته السابقة بخصوص المسلمين، كحذفه الدعوة إلى الحظر التام والكامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، فإن العرب السنة في الخليج ومصر والأردن وغيرها من الدول العربية يواصلون إبداء مخاوفهم من صفقة إيران النووية، ويأملون في أن تكون إدارة ترامب حازمة بشكل صارم ضد إيران. ويتردد أنه إذا أصر ترامب على طهران بإبداء قدر اكبر من الشفافية والاعتدال، فإنها قد تنسحب من الصفقة من جانب واحد وتستأنف مسيرتها إلى القنبلة النووية مجدداً، وهكذا تروج للتخويف. غير أن معاداة إيران تشبه العقيدة بالنسبة لدونالد ترامب مما يدفع الكثير من الخبراء إلى القول إن صفقة إيران النووية ستكون أولى ضحايا سياسة ترامب الخارجية إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة التنكر لاتفاق متعدد الأطراف، وهو ما سيجلب المزيد من عدم الاستقرار إلى الشرق الأوسط، عدا عن تعقيد العلاقات التي تجمع أميركا بحلفائها الأوروبيين وروسيا. وإذا كان ترامب يعتقد منذ مجيء الخميني إلى الحكم عام 1979 أن إيران اكبر دولة إرهابية في العالم تعمل على تصدير الثورة إلى جيرانها دون وجه شرعي، فإن الإرهاب عموماً يأخذ الكثير من اهتمامه إلى درجة مطالبته السعودية بتشكيل جيش خاص لمحاربة داعش.
تناقض وحيرة
ولكن ما بدر من ترامب تجاه القضية الفلسطينية وبعضه متناقض ومحير، لا يدعو إلى التفاؤل المبكر، خاصة أن مؤيدي إسرائيل متحمسون لتاريخ ترامب المتعاطف مع حلم الدولة اليهودية رغم التقرير المهم والموقف الأهم الصادرين عن اليونسكو الذراع الثقافية والتاريخية للأمم المتحدة، اللذين جاء فيهما أنه لا يتوفر أي رابط يهودي على الإطلاق بين دولة إسرائيل ومدينة القدس وكل مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وأن لا جبل هيكل هناك بل جبل المكبر كما يسميه المسلمون، ولا حائط مبكى هناك وإنما حائط براق كما يسميه المسلمون، وساعة يقول ترامب إنه سيكون محايداً في الصراع العربي الإسرائيلي وساعة أخرى يقول إنه سينقل سفارة أميركا إلى قدس موحدة تابعة لإسرائيل وحدها.
معجب بأردوغان
ولعل تركيا من الدول القليلة التي امتدحها ترامب وأبدى تعاطفه مع رئيسها، ورغم تصريحاته العنصرية ضد المسلمين الأجانب كان موقف الرئيس الأميركي الجديد واضحاً في إدانة محاولة الانقلاب العسكري في تركيا دون أن يتردد في اتهام أوباما في التورط في دعم الانقلابيين؛ ففي مقابلة مع نيويورك تايمز بعد أسبوع من الانقلاب الفاشل ورداً على سؤال حول احتمال أن تكون محاولة الانقلاب مسرحية من جانب الحكومة لتعزيز سلطتها، قال ترامب إنه لا يعتقد أن الانقلاب الفاشل كان مفبركاً، مثمناً قدرة أردوغان على دحر تلك المحاولة.
وقال ترامب وقتها: «بدا الأمر وكأنه انتهى في الساعات الأولى، وشاهدنا بذهول الشعب التركي وهو يفوز، فقد خرج الناس إلى الشوارع ولم يبد الجيش راغباً في دهسهم بالدبابات وكانت تلك نهاية القصة».
ولم يكتف ترامب بذلك بل انتقد تهجم واشنطن على سجل حقوق الإنسان في تركيا، مطالباً إدارة أوباما بالتفكير في ملف حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة أولاً. لكن اللافت للغاية أن ترامب لم يخف إعجابه بالرئيس التركي قائلاً: إن بإمكانه أن يلعب دوراً محورياً في حل أزمات مثل الصراع المسلح في سوريا والتهديدات التي يشكلها المتطرفون هناك.
ثم فاجأ ترامب الدنيا بقوله في تغريدة له على تويتر إن لديه شواهد تدل على أن ضباطاً في «السي آي ايه» دعموا الانقلاب الساقط في أنقرة، متهماً أوباما بالفشل وواعداً بنشر أسماء أولئك الضباط.
لا يحب بشار
وإذا كان لدى ترامب النية للتنسيق مع تركيا التي يعتبرها دولة مركزية قادرة على اقتراح الحلول، فإن موقفه تجاه سوريا مختلف، إذ قال في مقابلاته الصحفية الأخيرة: إنه لا يحب بشار الأسد، لكنه لن يعمل لإسقاطه أو دعم قواته أو دعم المعارضة حتى لا «يتمشكل» مع روسيا. وقال إنه يجب التركيز على ضرب تنظيم الدولة داعش بدل التركيز على إسقاط نظام دمشق، وبعد تعدد مناسبات الغزل المتبادل بين ترامب وبوتين وإشادة كل منهما بالآخر وبإمكانيات الحكم الرشيد لكل منهما، نسبت صحيفة ازفستيا الروسية إلى ترامب القول إن الكونغرس الأميركي في عجلة من أمره لإثارة مشكلات مع موسكو قبل تنصيب الرئيس الخامس والأربعين.
أما مشروع القانون المناهض لروسيا الذي اقره مجلس النواب الأميركي وسيوافق عليه مجلس الشيوخ، سيقره أوباما الذي يكره بوتين وترامب ويتهم الرئيس الروسي بالتدخل بالانتخابات الأميركية لصالح ترامب وضد هيلاري كلينتون. واللافت أن ترامب هاجم أوباما بشدة، وقال إن هدفه التركيز أولاً على القضايا الداخلية بحيث تقر الإدارة الحالية وثائق وتخطو خطوات لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وهو ما يعني- حسب الرئيس الجديد- أن واشنطن ستعيد النظر في السياسات الأوبامية ضد روسيا.
غزل لن يدوم
وفي كل الأحوال تدل المؤشرات على أن ثمة علاقة وثيقة ناشئة بين زعيمي البيت الأبيض والكرملين فقد عرض الرئيس الجديد الذي وصف نده الروسي بالقوي المصالحة مع موسكو لمحاربة الإرهاب سويا.
ويقول منتقدو ترامب إن كلامه هذا يثير الشكوك بشأن التزام الولايات المتحدة مع حلف الناتو واستقلال أوكرانيا، كما قال إن على بلاده ألا تعطي الدول الأخرى محاضرات في الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي أقوال تسعد بوتين بالتأكيد.
غير أن «فيونا هيل»، وهي الخبيرة الروسية التي كتبت السيرة الذاتية لبوتين ليست مقتنعه فقد عبرت عن ثقتها بأن رئاسة ترامب ستسهل عهده بتغيير في أسلوب الخطابات مع روسيا، لكنها قالت إن روسيا كانت دائماً دولة توسعية غير مستعدة للتنازل عن شيء تماماً مثل الولايات المتحدة، لذلك سيكون هناك قدر كبير من الاحتكاكات بين البلدين فيما ستنهار العلاقة الغزلية بين ترامب وبوتين بسرعة كبيرة.
وكما أشارت هيل فإن التدخل الروسي الواضح في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كان نموذجاً واضحاً على استغلال بوتين نقاط ضعف أميركا، لكنها لا تتفق مع أولئك الذين يرون أن فوز ترامب كان عملية استخبارية ناجحة نفذتها روسيا المهووسة بالانتخابات والاستخبارات.
يشار إلى أن بوتين يملك جيشاً من مستطلعي الرأي يبحث عن أي تلميح لوجود مشاكل أو عن مدى شعبية رئاسته، وبوتين- كما ترى هيل- تكتيكي وانتهازي ولدية منظور استراتيجي واضح وهو يرى أن أميركا منافسه الرئيسي، لذلك يسعى إلى إضعافها وتسجيل النقاط ضدها كل ما أمكن ذلك.
ترامب والسعودية
إلى أين؟
ولا يستوفي ملف ترامب الموجز هذا حقه إذا لم نأت على نقطه مهمة تتعلق بالموقف المعلن والحقيقي للرئيس الجديد مع ضرورة التفريق بين ترامب المرشح وترامب الفائز، ففي الشهور الأخيرة دأب رجل الأعمال الملياردير على مهاجمة السعودية بطريقة تلفت الأنظار ومما قاله وأثار الاستغراب أنه هدد بمقاطعة استيراد النفط من دول مجلس التعاون والسعودية بالتحديد، وأضاف أنه يلجأ إلى هذا الإجراء في حالة عدم إرسال الرياض وعواصم الخليج العربي قوات برية لمحاربة تنظيم داعش وأن تسدد هذه الدول فواتير مالية لواشنطن الذي قال إنها توفر الحماية لكثير من الدول دون أن تدفع هذه الدول ثمن ذلك، وسمى ترامب كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، لكنه خص السعودية بهذا الطلب الغريب مذكراً إياها وغيرها من الدول بأن «أميركا تدافع عن الجميع، وهم يأتون إلى بلادنا ويريدون الحماية دون مقابل».
مخاطر الانسحاب
لكن ترامب لم يتناول في تصريحاته مخاطر الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وما يستتبعه من تعزيز قبضة إيران الإقليمية في الخليج والمنطقة العربية عموماً، خاصة بعد استعادة حلب واعتبار جنرالات إيرانيين هذا الحدث بمثابة بدء لفتوحات إسلامية جديدة، ساحبين البساط بذلك من تحت أقدام الغالبية العظمى من المسلمين في العالم، ألا وهم السنة الذين نفذوا الفتوحات الأولى بعد أن ثبت الإسلام الصحيح أقدامه في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم.
كذلك فإن الوجود الأميركي في الشرق الأوسط يتضمن توفير قوات للدفاع عن إسرائيل إذا لزم الأمر، مع العلم بأن القواعد الأميركية الجوية والبحرية في المنطقة هي نقاط تجميع رئيسية للمعلومات الاستخباراتية وتشمل مطارات للطائرات «الارونز» والقوات الخاصة.
لعبة انتخابية
ويعتقد الكثير من المحللين الثقاة أن ترامب لم يكن جاداً مطلقاً في كلامه المعادي للسعودية وأن الأمر تم بتدبير من فريق حملته الانتخابية بهدف اللعب على مشاعر الأميركيين للفوز بأصواتهم. وهو يعلم أن الفرصة تبقى مواتية للتراجع بعد الجلوس في المكتب البيضاوي، دون أن يكلفه ذلك الكثير، تجاه ناخب أميركي ذاكرته قصيرة، ويركز على قضاياه الداخلية اكثر من أي موضوع خارجي مهما بدا مثيراً في الصحافة.
وإذا كانت أجهزة إعلام أميركية قد ركزت على إغلاق ترامب أربعة من مشاريعه في السعودية، فإنها لم تتحدث كثيراً عن فتحه ثمانية مشروعات هناك قبل أيام، مع التذكير بأن الرئيس الجديد يملك مشاريع في «25» دولة بينها السعودية والإمارات.
تهديد إيران للمنطقة
وما من شك في أن ترامب يدرك منذ البداية أن العلاقة مع السعودية استراتيجية ومعقدة ولا يمكن الاستهانة بها أو تعويضها بأخرى خاصة أنها تمثل سداً منيعاً في مواجهة إيران التي يمقتها الرئيس الأميركي القادم، ويعتبرها من رؤوس الإرهاب في العالم. وفي النهاية فإن تعهد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران– ولو من جانب أميركا وحدها في البداية وفي منأي عن بقية الموقفين على الاتفاق– هو مؤشر قوي على ضرورة التصدي لهذا المشروع، وعلى تنامي مستوى خطورة طهران وتحولها إلى قوة تهدد استقرار المنطقة، وهذه المعادلة تستدعي علاقات قوية بين واشنطن والرياض.
copy short url   نسخ
22/12/2016
775