+ A
A -

تشكل العلاقات الاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فلا أحد فينا تخلو حياته من الأصدقاء والمعارف وزملاء العمل والأحبة. إن صلتنا بالناس المحيطين بنا تشكل واقعنا وتتحكم في تفاصيل حاضرنا ومستقبلنا. لهذا قال المثل: «قل لي من تصاحب أقل لك من أنت». وقيل أيضاً: «من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم»، وجاء على لسان الأعراب القول الشهير: «الطيور على أشكالها تقع».

مع ذلك، فإن ارتباطنا بالآخرين لا ينجح دوماً، بل كثيراً ما تفشل علاقات الصداقة أو الحب لأسباب لا حصر لها، كما تصرح المقولة: «اختلفت الأسباب والموت واحد»، فمن بين كل 10 زيجات أو صداقات بالكاد تنجح واحدة بينما تنتهي البقية، خصوصاً في هذا الزمن الذي يقاس فيه كل شيء بالمال والمظاهر الخارجية.

خلال العقود الماضية كانت القيم الإنسانية أكثر حضوراً في حياتنا اليومية، لكن مع تقادم السنين والتقدم التكنولوجي الذي جعل العالم أشبه بقرية صغيرة، وحول الحياة إلى واقع رقمي حيث كل واحد مشغول معظم اليوم بهاتفه المحمول يتصفح منصات التواصل الاجتماعي، ويتفقّد كل دقيقة إشعارات الواتساب وغير ذلك؛ اضمحلت القيم الأخلاقية، وكادت تختفي كثير من المظاهر الاجتماعية كاجتماع العائلة والأقارب لتبادل أطراف الحديث أو ممارسة بعض الهوايات المشتركة. حتى العلاقات العاطفية لم تسلم من تطورات العصر، فأصبحت أكثر سطحية، وآيلة إلى السقوط لأتفه الأسباب.

لهذا كله، على كل واحد أن يدرك مستجدات هذا الزمن، ويعرف كيف يتصرف مع الخذلان وخيبة الأمل، فلا يعلق آمالاً كبيرة على أحد. هذا لا يعني انتفاء الحب والصداقة بشكل نهائي، لكن شكل هذه العلاقات اختلف في عصرنا، وعلينا أن نواكب هذا التطور والاختلاف حتى لا نظل كالحالمين الذين يعيشون واقعاً افتراضياً في مخيلاتهم لا يمت للواقع الحقيقي بصلة، فيصابون بالصدمة العاطفية تلو الأخرى ضمن دائرة مفرغة من خيبات الأمل المتكررة التي لا خلاص منها!

برغم كل ما سبق ذكره، لا تكن أبداً نسخة عن أحد، بل كن أفضل من الآخرين في علاقاتك مع الناس. كن قدوة ومثالاً يحتذى في بداية أي علاقة وفي وسطها وعند النهايات. فإذا افترقت عن صديق أو حبيب بقرار أحد الطرفين أو باتفاقكما معاً، فكن مخلصاً في البعد كما كنت مخلصاً في القرب.

عندما تنتهي علاقتك بشخص ما فلا تلاحقه من بعدها، ولا تزعجه أو تتكلم عنه بسوء. لا تقحم نفسك في كل صغيرة أو كبيرة في حياة أي إنسان انتهت علاقتك به، لأن إنهاء علاقتك به يعني أنك لم تعد جزءاً من حياته، ولم يعد من حقك أن تتدخل في شؤونه. دعه يرحل بسلام، وعش بعيداً عنه بسلام.

كن وفياً بعد الفراق كما كنت وفياً عندما كانت العلاقة في أوجها. صن كرامة من أحببته يوماً، وحافظ على العشرة الحسنة والذكرى الطيبة. لا تدنس سنوات الصداقة أو المحبة السابقة بالكلام الجارح أو التشهير بعد انتهاء العلاقة، بل كن صاحب أخلاق رفيعة تنأى بنفسك عن الكلام الجارح أو المسيء لأي شخص جمعتك المشاعر به يوماً.

عندما تنتهي أي علاقة كانت فمعنى ذلك أنها لم تنجح برغم كل المحاولات، فكن في النهايات كما كنت في البدايات. كن مثال الإنسان الراقي بعد انتهاء العلاقة، لأنك عندما تقول كلمتك الأخيرة المتعلقة بالانفصال، فعليك أن تحترم كلمتك، وتحترم خصوصية الطرف المقابل، وتصون كرامته، وتحفظ أسراره. فكن وفياً في البعد كما كنت وفياً في القرب، وتعلم من تجاربك الماضية، حتى تنجح في علاقاتك القادمة.

copy short url   نسخ
30/01/2023
115