+ A
A -

ستضعك الحياة وجهًا لوجه مع شخصيات عملية تتقن المهنية لكنها مصفرة من الإنسانية. هؤلاء يشهد لهم بالمهارة في أداء عملهم، لكنهم يؤدون واجبهم بكراهة شديدة، لذا، يتم التحذير من التعامل معهم أو وضعهم في أماكن تتطلب تعاملات مع البشر لما يتصفون من ضيق ذات القلب.

فلو أن عاملاً ماهرًا في الطبخ عجز عن فهم أهمية تزيين أطباقه المقدمة لضيوف المطعم، فمن السفه أن تتيح له فرصه إدارة مطعم سياحي، فنظرته العملية ستحصره في ضرورة تقديم أصناف غير مكلفة، كونه لا يفهم أن الزبون يأتي للمطعم ليس للأكل فحسب، لكن لكي يستمتع بوقت مريح ومنظر طيب ما يستدعى وضع ميزانية للزهور والمفارش والموسيقى والعرض والخدمة والإبتسامة والمعاملة الممتازة، لأن أهم من الطعام طريقة تقديمه.

وبالمثل فأهم من العمل هو ضبط مكملات العمل والقدرة على التعاون البشري وعدم الركون لاستسهال الانفعال بدعوى الضغوط.

فقد يقدم أحدهم عرضا لمشروعه وهو كاره، ساخط، ناقم، ويشعر فريق العمل أنه وحده من تعب واجتهد وبذل، في حين يظهر آخر أن المشروع لم يكن لينتهي إلا لتضافر جهود فريق العامل بأكمله، ثم أنه لا يفقد ابتسامته ولو مجهد أثناء العمل.

يعتقد الكثير من الناس وهم يستخدمون أسلوب التذمر حتى آخر رمق أن تلك الطريقة هي الأكثر حيطة، حيث إن «الشكوى رقوة»، كما أنها تفسير لحالة السخط الدائم، عدا أنها جالبة للمعاذير وواقية من إضافة المزيد من الأعباء. لكن يغيب عن وعي المرء أن محيطه يفهم تلك الأساليب العقيمة المستهلكة والتي تنم عن غباء عاطفي منفر في التعاطي الإنساني.

- قد يدعو أحدهم أسرته لتناول الطعام بفندق، ثم لا يكف عن سرد قوائم سخطه عن مستوى الطعام المتدني مقارنة بالفاتورة وقد يتمادى ليحذرهم من احتمالية ان يكون هناك ضرائب مضافة في المستقبل.

أمثال هؤلاء شعارهم «القادم أسوأ»، فديدنهم الدينار، يرمونه منّة لو احتاج أبناؤهم للنقد فيمنحوهم معه النقض والتقريظ، مشفوعًا بقول:

أنا على يقين أنك ستستغل كونك سفيها وغبيا!

فلا يوجد في قاموس هؤلاء:«تفضل بني، أنا على يقين من حسن تصرفك، وأدعو الله لك أن يقيك شر أصدقاء السوء».

هؤلاء مهرة في تغليف هداياهم بقاذورات المنّ والسب والتأنيب والمعايرة. فما أغبى من ينفق من ماله ثم يجلد من ينفق عليه.

أليس الأجدى أن يتم التعامل بأناقة آدمية مع البشر؟

أما سمعوا قول الله: «الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم»، ألم يقل سبحانه: «قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم»؟

انهم لا يعانون من الغباء العاطفي، لكنهم لا يؤمنون بجدارة العاطفة للدراسة كمادة تحتاج لبذل مجهود للنجاح فيها، ففي شريعتهم الدرهم فاتح للعقول والقلوب، لذا، فالقريب من الشخصية العملية يعاني الأمرين، حتى أنه قد يلجأ لصلاة استسقاء المودة من قلوب القساة منهم ولا يأتي الغيث سوى عقب خروجهم على المعاش، فموسم الغيث هو خريف العمر حين يذهب عنهم المنصب، الصحة، الجاه والمال، ثم لا يتورعون عن الاستمرار في إشعار محيطهم بالتقصير للمزيد من الابتزاز العاطفي.

أن تحرم الفقير مالك وتعطيه من ابتسامتك أفضل من أن تستعبده بريالك مقابل سيل من البذاءات اللفظية، وأن تعامل أهلك بصنوف الوحشية كذبًا ونقضًا للعهود وإساءة، ثم تعيرهم على طعام وملبس ومأوى فأنت تدفعهم للهرب من سجنك، والأولى تعلم الذكاء الاجتماعي والحس العاطفي، لأن أداءك لعملك بأناقة يجعل منك إنسانا يحتذى به، أما أن تتوقع أن يستسيغ محيطك للقمة مغموسة في قاذورات لسانك، فلا وربي، لن يستسيغ البشر الحلو السام.

copy short url   نسخ
28/01/2023
200