+ A
A -
سعاد فهد المعجلكاتبة كويتية

ماذا تُخبّئ لنا التكنولوجيا؟ وإلى أي أبعاد جديدة وغريبة يمكن أن تصل بنا كل هذه التطورات المتلاحقة في العلم والتكنولوجيا، فمن الكمبيوتر الذي كان يحتل غرفة كاملة، إلى جهاز صغير نحتويه بين أيدينا، ومن غرف العمليات الجراحية بمعداتها الدقيقة إلى عمليات يتم إجراؤها عن بُعد وعبر شرائح إلكترونية، ومن دبابات وطائرات مقاتلة إلى مُسيّرات متناهية الصغر ودقيقة الهدف، تُحرّكها برامج ذكية لا تخضع لاحتمالات الخطأ البشري، ومن تزاوج بيولوجي تقليدي تحكمه شروط الوراثة المألوفة، إلى تَحكّم في الجينات والموروثات واقتحام لخفايا العقل الكامن، وإعادة صياغة للجينوم البشري.

تطورات هائلة ومرعبة في أحيان كثيرة، خاصة لجيل الكبار الذي يعاصر اليوم مثل هذا الانفجار التكنولوجي، لكنه لم ينشأ معه، وكما هو الحال مع جيل الأبناء الذي وُلِدَ حاملاً تليفوناً وحاضناً لجهاز كمبيوتر محمول، ومُتّصلاً بكل إحداثيات التكنولوجيا وخباياها.

في عام 2006 صدر كتاب «المرحلة التفرّدية قريبة» للكاتب راي كيرزويل أوThe singularity is near، وهو الكتاب الذي أثار الرعب في نفس كل من قرأه، ثم لِيُكمل الكاتب رؤيته لمرحلة ما بعد الإنسانية، كما أطلق عليها بكتاب بعنوان «عصر الآلات الروحية»، وقد وضع كيرزويل في كتابه الأول جدولاً زمنياً للمرحلة التي لن يستطيع البشر الاستمرار فيها من دون الحاجة إلى دعم توفّره أدوات لمعالجة البيانات والمعلومات، التي تفوق قدرة الإنسان البيولوجية والعقلية المعتادة.

الكتاب مليء بالتفاصيل العلمية التي يحاول الكاتب من خلالها أن يُبرهن صحّة رؤيته لعالم الإنسان الآلة، فهو يرى أن الإنسان أصبح على عتبة قفزة حضارية سيحدث إثرها اندماجاً بين الذكاء البيولوجي والذكاء الافتراضي أو الآلي.

عندما أصدر كيرزويل كتابه في عام 2006 سخر منه بعض المحللين، وكان ذلك قبل ظهور جهاز الأيفون بعام واحد فقط، وهو الجهاز الذي أتى بتطبيقات بعضها اقترب من تنبؤات كيرزويل، مما جعل الكثير من الذين سخروا منه يراجعون تصوراتهم القديمة، خاصة في ظل تفوّق الكمبيوتر اليوم على أشهر محترفي الشطرنج، وظهور عصر السيارات ذات التحكّم عن بُعد وألسكا، وغير ذلك الكثير.

قطعاً لم تعد قضية البشر اليوم مع تواصل التكنولوجيا في الاندفاع نحو الأمام قضية مُفاصَلَة بين سلبيات التكنولوجيا وإيجابياتها، فالأمر ببساطة خرج عن سيطرة البشر في التحكّم، ولم يعد أمامهم سوى الترقّب والتّقَبّل، فالكثير من الجامعات اليوم أصبحت تتحدّث عن تجارب لأدمغة آلية تحتوي على وحدات مركزية مُفَكّرة باستطاعتها مُحاكاة عمل العقل البشري، وهنالك جهود على المستوى العالمي، ليس للتّوَسّع في قدرات الكمبيوترات فقط، وإنما كذلك لِرَبطها ببعضها في شبكات عالمية، منها على سبيل المثال ما حدَث من تطوير لمكتبة إلكترونية تضم كامل إنتاج الحضارة البشرية.

وسط مثل هذه الشبكة المُعقّدة من العلاقات الإلكترونية والافتراضية، يقفز إلى الواجهة سؤالان هنا: الأول حول إمكانية استمرار التطوّر والتحوّل في التكنولوجيا لِيَصل بكل هذه الآلات إلى الوعي الذاتي، أي أن يتم التحكّم بها والتفاعل ذاتياً ومن دون الاستعانة بالدعم البشري، وكما هو الحال اليوم؟

أما السؤال الثاني فيدور حول كيفية تعامل الثقافات والمعتقدات والمسلّمات البشرية مع هكذا واقع؟ خاصة في المجتمعات المتوسطة الحداثة، التي لا تزال التكنولوجيا فيها مستورَدَة وليست مُستَوطِنة، مثل المجتمعات العربية على سبيل المثال؟ مع الأخذ بعين الاعتبار هنا أن الحقائق والمُعطيات الافتراضية غالباً ما توفّر أكثر من إجابة وسيناريو وحل وصورة ورأي لأي سؤال أو معضلة مطروحة.

بعد ما يقارب الـ 163 عاماً على صدور كتاب «أصل الأنواع» لتشارلز داروين، بدأ البعض في التساؤل عما إذا كان التحام الآلة بالإنسان، والتكنولوجيا بالعقل البشري، ومثل هذا الانصهار والتلاحم بين جينات الإنسان ورقائق الكمبيوتر، يُشكّل قفزة جديدة في مراحل تطوّر الإنسان؟ فذلك في النهاية يبقى سؤالاً مشروعاً، خاصة في ظل ضبابية المستقبل البيولوجي والتكنولوجي، واستمرار السؤال حول ما يمكن أن تُخبّئ لنا التكنولوجيا.

copy short url   نسخ
25/01/2023
20