+ A
A -
لا يبدو أن اللواء ريفي ينوي الانسحاب من المعركة القومية، التي حوصر لأجلها لبنان، بعد أن خنق بإدخال تيار المستقبل إلى التسوية مجدداً، ضمن صفقات لعبت فيها المصالح الشخصية والتركيبة التجارية للتيار ذاته مساحة مهمة، في إعادة توجيهه وتوظيفه، فالمعادلة اليوم أطرافها المتخالفون في الحرب السابقة، باتوا شركاء حمايتها وإن مرحلياً، وأي تمرد على عضوٍ فاعلٍ فيها، يُعيد طرح عروبة لبنان واستقلاله المدني التقدمي، أمام ازدواجية الخرافة السوداء، ومتجر الأزياء ومسابقات الجمال، يعني أنه يواجه تحالف الدولة الجديد، ورعاته من وراء الحدود.
فانتصار إيران في سوريا، وتأثيرات التحالف مع روسيا، ومجمل التوافق الأميركي مع مآلات المعركة، لن تتغيّر اليوم في مرحلة ترامب الانتقالية، وأطراف الإقليم العربي وإن اختلف بعضهم مع سعد الحريري، لكنه يُدرك أن دخول الحريري في الصفقة الأخيرة لا يخضع لخلافاته معه، وفي الأصل هذه المدارات، لا يمثل لها اللواء ريفي ضلعاً يُراهن على دعمه، مهما سعى مستقبلاً لتوضيحات عن إيمانه بلبنان المستقل ومكافحة التطرف، والتوازن الدولي الإقليمي، فمن قال أن لبنان يُراد له أن يستقل؟
فقواعد اللعبة بين الرئيس عون والحريري وما يسمّى حزب الله، وحتى نبيه بري الذي بدا متمنعاً نوعاً ما، لن تسمح للواء ريفي بمحطة تقوية لفكره أو أي عودة لطرح مشروع لبنان العربي من جديد، ولذلك فإن تصفية اللواء ريفي كما جرى مع الشيخ حسن خالد، وشركاء الفكرة ككمال جنبلاط أو اليسار العربي المستقل كجورج حاوي أمرٌ واردٌ جداً.
غير أن معادلة الكفاح القومي في لبنان، والمساحة المخنوقة سواءً في الطائفة السنية أو حلفائها العروبيين أو التقدميين المستقلين من كل الطوائف، قد تشكّل قاعدة اجتماعية صلبة، تؤذن بميلاد التيار سياسيا، بعد أن ولد ثقافيا، وجملة ما يمكن رصده أن المشروع تحاصره الألغام من معقله، إلى كل حدود لبنان.
لكن ذلك الحصار قد يشكل قوة تحفيز، لو تحوّل المشروع إلى تعزيز لفكر التيار ومعنى عروبته ووطنية لبنان للجميع، في زمنٍ لا يمكن للمشروع السياسي أن يعيش فيه زمناً كافياً ليحقق فرص منافسة سياسية، تنقل قاعدة مهمة من المستقبل، لتضمها للمؤمنين بالطريق الثالث للبنان، فيما صناعة الفكرة بحضور سياسي محدود والتبشير بها، قد يخلق بالفعل قوة تصاعد لمستقبل أفضل للمشروع السياسي المستقل.
وهو ما يطرح السؤال الكبير في قرار اللواء ريفي وفريقه النزول للانتخابات البرلمانية، وحجم القوائم المشاركة، التي يمكن لها أن تنافس، والخشية من أن يحول ذلك الأمر إلى استدراج له، لتعجيل اغتيال التيار وتسريع خصومته في القاعدة السنية، التي رُصد تحوّل مهم فيها لصالح اللواء ريفي، لكنه تحوّل يمر من مضيق صعب.
ورغم أن قاعدة التدين في المناطق السنية بلبنان واسعة بأزمتها الكبيرة، وتعيش نكبات التجربة السابقة ويحرك وجدانها إذلال إيران المتنامي لها، لكنّها مشتتة من حيث التوجهات المختلفة، وإن كانت مسألة لا يمكن الجزم بها في الأوساط الشبابية.
فقد تفاجئ حركة التصويت للانتماء للتيار الجديد، المراقب السياسي، وأن قرار التمرد الشعبي على صفقة الرئيس عون والضاحية الجنوبية وإخضاع المستقبل له، أوسع مما كان يُتصور، لكن يبقى أن حتى هذا الانقلاب الشعبي لو تم في مناطق السنة، فهو سيحول انتصار ريفي السياسي لمعركة مستعجلة مع الرعاة الدوليون والعرب، فضلاً عن استهداف إيران لشخصه وتياره.
وبناء التيار الفكري المؤمن بمشروع خلاص سياسي، يحتاج إلى قدرة لدى القائد السياسي في استيعاب خطاب الثقافة الإسلامية والعربية، والعلاقات التاريخية المشتركة في لبنان بين القوميات والطوائف، فهو من جهة يفهم معنى الخطاب الإسلامي المستقل ويفهم معنى مشروع النهضة العربي في لبنان، والى أي حد يمكن أن ينهض به.
ومن جهة أخرى الوفاء لقضية المواطن المحلية، الذي استنزفته تجارة الصفقات، تحت عباءة التقاسم للطائفية السياسية، كما أن اللواء ريفي سيواجه مبكراً، إصرار الإيرانيين على المضي في تغيير التركيبة والتمثيل السياسي في الدولة لمصلحة حزب الله، وهو شرط رئيس من أركان شراكتهم مع الرئيس عون.
كل ذلك سيحتاج إلى صناعة فكر وتياّر يتجنب استنزافه، ويوسع دائرة تحالفاته الشعبية، ليبحث عن وسام حسن متوارٍ بين الصفوف ليهيّئه في القاعدة الشعبية، ويسعى لحمايته من قرار تل ابيب وطهران تصفية قواعده، أو تصفية مشروعه، وحين يعبر المشروع تحدي الصناعة الفكرية والمحضن الشعبي، سيكون مؤهلاً لخوض معركة الكرامة والاستقلال، لكن بتدرج يسمح له بالمناورة أمام التحالف الثلاثي الذي يتربص به عند كل منعطف.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
02/02/2017
4254