+ A
A -
في السادس عشر من نوفمبر الماضي كتبت لقراء هذه الجريدة مقالة بعنوان «ماذا يعني فوز ترامب لأميركا» وأنهيتها بالعبارات التالية: (ولعله من خلال معايشتي للمجتمع الأميركي لفترة تزيد على الثلاثين عاما أستطيع أن أجزم أن الانقسام الأميركي الحادث الآن حقيقي وسيظل كذلك ولفترة طويلة قادمة، ولكني أيضا مقتنع تماما بأن المؤسسات الأميركية ستنجح في ترويض هذا القادم الجديد للبيت الأبيض وأنها سرعان ما ستقول له ما قال عمر لأحد ولاته حين خرج عن الصراط المستقيم «لقد كثر شاكوك وقل شاكروك فإما اعتدلت وإما اعتزلت»).
ولكني في الحقيقة لم أكن أتخيل ان تتحقق هذه النبوءة بهذه السرعة وبهذا الحجم العالمي. حيث اندلعت المظاهرات ضده وحتى كتابة هذه السطور في حوالي خمسين مدينة أميركية وعالمية. بل أن هناك حملات الآن تحاول جمع توقيعات من مواطنين أميركيين لعزله على أساس عدم توازنه نفسيا وعقليا، كما أن البريطانيين يجمعون توقيعات لمنعه من زيارة بريطانيا. كنت أعتقد أن الرجل سيمكث في البيت الأبيض لفترة لا تقل عن شهرين ولا تزيد عن سنة واحدة حتى تبدأ مساوئه وشخصيته النرجسية الدكتاتورية في الظهور والطغيان. ولكن السيد ترامب لم يمض على تقلده أكبر منصب في العالم أسبوع واحد حتى أجج ضده مشاعر الكراهية والغضب وأثار الاحتقان داخل الولايات المتحدة وخارجها.
قدرة السيد ترامب على كسب العداوات وعدم خبرته (هو وفريقه) الادارية والتعامل بمنطق التاجر الأكبر الذي لا يهمه الا الربح والخسارة والقادر على ابرام الصفقات العالمية الباهرة دونما اعتبار للأخلاق والمبادئ وكذلك دونما اعتبار لوضع أميركا عالميا كقائدة للعالم الحر ساهمت في توحيد صفوف خصومه ضده داخليا وخارجيا. سرعان ما سيكتشف السيد ترامب بانه يجب عليه التغيير من نمط حكمه وإدارته وهذا ما أشرت اليه في مقالة نوفمبر الماضي «بأن المؤسسات الأميركية ستنجح في ترويض هذا القادم الجديد للبيت الأبيض».
السيد ترامب لا يتصور أن سلة القرارات السريعة وغير المدروسة التي تم توقيعها في خلال الاسبوع الأول من تقلده الحكم يمكن ان تنقلب عليه حيث أن لكل منها نتائج وآثار جانبية تفوق بمراحل ما يعتقد هو انه نفع وكسب صافٍ يعود على أميركا. على سبيل المثال تأجيج الرئيس الأميركي لمشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والذي تمثل أخيرا في حظر السفر المفروض على سبع دول ذات غالبية مسلمة ما هو الا تغذية لاتجاه متزايد نحو التعصب والتطرف داخل هذه الدول نفسها وسيجعل حكام هذه الدول وغيرها في منطقة الشرق الأوسط يتمادون في فرض القيود على حرية التعبير والإعلام وسيشعر المعتدلون والوسطيون بالضغط في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وهكذا بدلا من تحصين الجهود الرامية لمواجهة العنف السياسي سيتم إعطاء مصداقية لروايات المتطرفين والجهاديين من امثال داعش واخواتها عن الحرب التي يشنها الغرب على الإسلام.
ولا يساعد بالضرورة موضوع اعطاء السيد ترامب اولوية للأقليات غير المسلمة الموجودة في الشرق الاوسط للسفر والهجرة لأميركا بما يعزز وجهات النظر والتفسيرات الخاصة بنظريات المؤامرات ومحاولة الغرب القضاء على الإسلام بوصفه ايدولوجية وإقامة ايدولوجية عالمية إسلامية بديلة.
وهكذا فكل قرارات السيد ترامب الاخيرة تحتوي على آثار جانبية سيئة تجب ما يمكن ان تجلبه من منافع. موضوع الحائط الحدودي واعادة المفاوضات بشأن «نافتا» اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا والمكسيك وكندا وفرض رسوم 20% على صادرات المكسيك لأميركا معناها ان يتحمل المستهلك الأميركي ارتفاعات الأسعار التي ستمررها المكسيك (أكبر ثاني شريك تجاري لأميركا) في صورة ارتفاع في اسعار وارداتها. ايضا معناها ان ترتفع اجور معظم المهن التي لا يقوم بها الأميركيون وانما يتركونها للمكسيكيين (من معاونين في قطاع الزراعة والحرف الريفية إلى عمال بناء وعمد اساسية في مهن النجارة والسباكة وتصليح السيارات وبائعين للخضر والفاكهة ونادلين بالمطاعم والفنادق...الخ).
وهكذا إذا استمر السيد ترامب في هذا التخبط لن يمضي وقت طويل حتى يصبح عنوان هذا المقال صرخة مزلزلة في كل انحاء أميركا مدعومة بالعالم الحر.

بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
01/02/2017
4761