كانت تبتاع ما لا تحتاج من السوق.. يسمونه «هايبر» في الوقت الراهن كونه يضم شتى البضائع كما والخلق من مختلف الأصقاع بمكان شاسع من حيث المساحة.
أمسكت بعربة الشراء والتي يسمونها «تروللي» وراحت تجوب بها شعاب السوق التي فرنجوا اسمها فباتت «ريون».
تقف «بالتروللي» في محطة «الريون» وتحمل بضائع ليست بأمس الحاجة إليها.. وكانت كلما جرّت «التروللي» تذكرت سلة الخوص التي كانت تملأها جدتها بالثمار والعطارة وسائر البضائع في زمن ليس بالبعيد ولا القريب.
في زمن مضى كانت تذهب فيه لسوق حقيقي مع والدتها أو خالاتها، وهو مكان يضج بباعة على اختلاف أخلاقهم ومشاربهم ومطامعهم، فبينهم البر والفاجر، سوق أصلي عامر، تُساق فيه البضائع لتتجمع بمكان واحد يعج بالفصال للنضال من أجل تخفيض قروش زهيدة فيخرج منه كلا البائع والمشتري وقد تفاقمت لديهما مشاعر الانتصار فيعود الجمع للديار لسرد حكايات بطولاتهم وكيف غلبوا في معركة البيع والشراء.
سوق يتغنى فيه صغار الباعة بأصوات رائعة وبكلمات بسيطة منغمة للتدليل على بضائعهم وإن كانت مزجاة للترويج لها ومن ثم بيعها، لا كـ «هايبر» اليوم الذي لا تسمع فيه سوى موسيقى مسجلة سلفاً تقطعها إعلانات سوقية بمكبرات صوت شديدة الإزعاج توسوس لك بالشراء.
وجدت نفسها بقسم الخضراوات أمام رهط من الباذنجان.. فجأة، قررت شراء هذا الصنف.. لقد باتت تنطقه بجيم معطشة كما تسمعه من محيطها.. على أنها كانت اشد عطشاً لوطنها ومحيطها الأصلي!
الشاهد وجدت عدة أصناف من الباذنجان كبير وصغير.
لم تعرف أيهما تختار، فاقتربت من سيدة وسألتها: أيمكنك مساعدتي في شراء الباذنجان؟
اجابت مرحبة: بالطبع، بالطبع.. خذي الكبيرة، ستكون أوفر في التقطيع لطهي المقالي
قالت: بل الوسط أفضل، فالثمار الكبيرة تنبئ بأنها معالجة كيميائياً لا عضوياً..
قالت: لديك حق، فليكن.. ولكن اختاري الثقيلة كي تكون ممتلئة بلحم الباذنجان.
أجابت: بل الخفيفة أفضل كون الثقيل يوشي بأن الثمرة تعُج بالبذور التي تجعل الطعم مرا الطعم كونها علامة على الشروع في المشيخ.
قالت: على أية حال، الباذنجان الغامق أفضل من الفاتح
فأجابت: ثقي أنه كلما كان لون الثمرة أقرب للأحمر القاني يكون أفضل من سواه الأسود الغامق، فهذه علامة على جودة المنتج كونه شبيه باسمه، فلونه يحمل صفته...
سألتها باندهاش: سمتك الصلاح ولو لم تكوني سيدة لظننت بك الظنون، لكن كيف تسألينني وأنت أعلم مني؟
فقالت: لهجتك لهجة بنت بلادي وسمتك شبيه ببنات عمومتي.. انها الغربة يا سيدتي فلهجتك شممت فيها عبقا وطنيا وسمتك قربني من الوطن في لُميحة من البصر، فعذراً، فقد تحايلت بالمسألة بحثاً عن ذريعة لحديث غير افتراضي بلهجة وطني مع بنت بلادي.
..
..
شلح زمبق أنا
اكسرني.. اكسرني
وارمني على ثرى بلادي
ردني إلى بلادي.. مع نسائم البوادي
مع شعاع تهادى
ردني.. ردني.. ردني إلى بلادي
سعيد عقل
بقلم : داليا الحديدي