+ A
A -
تخيل ما يمكن أن يحدث في دولة عربية تنافس فيها مرشحان على رئاسة الجمهورية ثم أعلنت نتائج الانتخابات لتبين أن المرشح الأول فاز بأغلبية الأصوات المطلقة ولكن المرشح الثاني الذي لم يحصل على الأغلبية الشعبية المطلقة حصد عدداً أكبر من أصوات ممثلين عن الشعب (ولنقل أعضاء مجلس الشعب حتى نسهل الأمور). حسب نظام هذه الدولة الدستوري المرشح الثاني يفوز!
ولكن ليس بهذه السهولة حيث إن بعض ممثلي الشعب في الولاية التي أفرزت أكبر عدد من الأصوات لصالح المرشح الثاني اتهموا القائمين على العملية الانتخابية بمن فيهم محافظ المدينة (والذي كان بالصدفة شقيق المرشح الثاني) بالتزوير لصالح هذا المرشح الفائز. ولأن نتائج الانتخابات كانت من القرب بحيث إنه لو تم إلغاء نتائج هذه الولاية لفاز المرشح الأول فتمت إحالة الأمر برمته إلى القضاء (المحكمة الفيدرالية العليا). وتعقدت الأمور أكثر فإن عدداً غير قليل من قضاة هذه المحكمة التسعة تم تعيينهم بواسطة والد المرشح الثاني (خمسة على وجه التحديد) حيث كان رئيساً سابقاً للجمهورية ونائباً للرئيس فضلاً عن انه خدم أيضا كرئيس للمخابرات!
وأصدرت بالطبع المحكمة الدستورية قرارها (خمسة مع وأربعة ضد) بأن التزوير الذي حدث لم يؤثر على نتيجة الانتخابات ومن ثم المرشح الثاني (شقيق محافظ المدينة وابن رئيس المخابرات السابق ورئيس الدولة السابق) هو الفائز في الانتخابات، كيف كان سيتصرف المرشح الأول في هذه الدولة العربية لو كانت هذه الأحداث تحدث على أرضها؟ فالتزوير والمحسوبية واضحان وضوح الشمس.
هذه الأحداث الحقيقية التي حدثت بالفعل في أميركا كان بطلاها آل جور (المرشح الأول) وجورج بوش الابن (المرشح الثاني). الولاية التي حدث بها التزوير هي ولاية فلوريد وحاكمها هو (جيب بوش) وطبعا والد المرشح الثاني هو جورج بوش الأب وكان نائباً لرونالد ريجان وفي عهديهما تم تعيين خمسة من قضاة المحكمة الفيدرالية العليا (ثلاثة في عهد ريجان وفي عهد بوش الاب تم تعيين اثنين).
وحدثت هذه الوقائع في انتخابات عام 2000 إبان انتهاء ولاية بيل كلينتون التي كان فيها آل جور نائبا للرئيس.
وخرج آل جور ليحكم على نفسه بالإعدام السياسي والخروج من الحياة السياسية وبارك للمرشح جورج دبليو بوش وتم التداول السلمي للسلطة في الولايات المتحدة.
ولذلك لست مستغرباً على الإطلاق بما حدث هذا الأسبوع في أميركا حينما ظهرت السيدة كلينتون وزوجها في حفل تقليد منصب رئيس الولايات المتحدة للسيد ترمب الذي أشبع السيدة كلينتون سباً وقذفاً في حملتهم الانتخابية بل إنه خرج على كل التقاليد والأعراف السياسية حينما هددها في مناظرتهما الأخيرة بأنه سيقوم بملاحقتها قضائيا وسجنها إذا أصبح رئيساً.
قل ما تقل على الولايات المتحدة وسياستها الخارجية المؤيدة لإسرائيل والمعادية للعرب. قل ما تقل عن الامبريالية الأميركية والهيمنة الاقتصادية. قل ما تريد عن المؤامرات الأميركية وغزو العراق والوقوف على الحياد في سوريا ومشاهدة ملايين الضحايا يتساقطون دون تحريك ساكن وترك الميدان للروس والإيرانيين يعيثون فيه. ولكن يجب عليك أن تعترف أن ما يجعل أميركا سيدة العالم وبهذه القوة وهذه القدرة وحلماً للشباب العرب هو إصرار ساستها على التداول السلمي للسلطة واستقرار نظامها ومؤسساتها الذي لا يسمح إلا بالتداول السلمي للسلطة.
قارن ذلك بما يحدث في بلادنا التي يقضي فيها الفرد جل عمره يدعو الله أن يريح البلاد والعباد من شر الاستبداد بالسلطة والتي لا يتنازل فيها حاكم عن كرسيه إلا مضطراً، مقتولاً أو مسموماً، مسجوناً أو منفياً حتى اختفى من حياتنا لفظ الرئيس السابق.
التداول السلمي للسلطة هو الفارق الحقيقي بين التقدم والتخلف، بين النماء والركود، بين العالم الأول والعالم الآخر، بين من يحترمون أنفسهم ومن فقدوا احترام العالم.

بقلم :د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
25/01/2017
5069