+ A
A -

نبحث عن الأصدقاء في حياتنا كما يبحث المنقِّبون عن الكنوز. فمن أكثر الأشياء التي تدخل السعادة إلى قلب الإنسان هو الظفر بأصدقاء حقيقيين، يشاركهم تفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة، ويجدهم حاضرين إلى جانبه في السراء والضراء؛ يدعمونه على طول الطريق إلى أحلامه، ويساندونه عندما تقسو الأيام وتشتد الخطوب من حوله.

وخلال سعينا للعثور على الصداقة، لا بد أن نقع في مرحلةٍ ما ضحية لبعض العلاقات الاجتماعية غير الصحية، فنصاحب أشخاصاً نتوسم فيهم خيراً، ثم يتكشّف لنا مع مرور الوقت بطلان اعتقادنا. فلا يستحق صداقتك أي شخص في هذا العالم، بل يجب أن تكون هناك مقومات على أساسها تبنى العلاقة الصحيحة.

حتى يلتقي شخصان وتجمعهما أواصر الصداقة، لا بد أن يسود الاحترام المتبادل بينهما أولاً، وأن يكون العطاء على قدر المساواة تقريباً بين كلا الطرفين. إذ لا يجوز على الإطلاق أن يضحي طرف أكثر من الآخر بكثير، لأن ذلك سيعكس واقع علاقة غير متوازنة، يكون فيها أحد الاثنين مجرد شخص يستقبل العطايا دون أن يقدم في مقابلها شيئاً يذكر، بينما يبذل المعطي جلّ طاقته في سبيل إرضاء الصديق دون أن يجد في المقابل تقديراً حقيقياً لما يفعله.

هناك مقومات أخرى للظفر بصداقة عميقة، من أهمها شيء اسمه «الصداقة اللامشروطة». وهي تلك العلاقة التي تقوم على أساس عدم انتظار شيء من الصديق. ففي اللحظة التي تطالب فيها صديقك برد الجميل، أو بفعل أشياء معينة حتى تتقبله وتشعر بالرضا، اعلم أنك تقيم جنازة تلك العلاقة.

في الحياة أغلب الصداقات تفشل. ويرجع السبب في ذلك إلى أن بعض من يدعون الصداقة محض أشخاص قمعيون وسامون، لا يعتبرونك شريكاً وإنما ملكية لهم حق التصرف فيها كيفما يشاؤون. وكأنهم يملكونك حرفياً، وما عليك سوى فعل كل ما يرضيهم، وإلا لن تكون في نظرهم صديقاً حقيقياً.

أما الطامة الكبرى فهي إن وقعت في هذا الفخ، وأصبحت تركض في سبيل إرضاء الطرف الآخر بشتى الطرق والوسائل، ظناً منك أن تلبية طلبات الصديق ستجعله يحبك أكثر، وستنعش علاقة الصداقة وتضمن استمراريتها إلى الأبد. لكن العكس هو الذي يحصل، فعندما تقدم كل شيء على طبق من ذهب، ولا ترفض طلباً، فستغدو مجرد شخص لا قيمة له في نظر أي إنسان.

لطالما ينصحنا الحكماء بالابتعاد عن الأشخاص الذين لا يفقهون معنى الحب الحقيقي، ولا يدركون ماهية الصداقة الحقة. وإنما كل ما يعرفونه هو التعلق الساذج، والتملك الذي يجعلهم يريدون امتلاك الأشخاص المقربين في حياتهم، وتوجيههم كيفما يشاؤون لإرضاء حاجاتهم ورغباتهم.

هناك فرق شاسع بين من يحبك لشخصك، ويعتبرك صديقاً بناء على أسس صحيحة، فيعاملك بمحبة غير مشروطة؛ وبين من يعتبرك ملكاً له، وإذا قدم لك حبة عنب فعليك أن تقدم له في المقابل عنقود عنب، وإلا ستتحول إلى عدو لدود!

فاحذر من أي علاقة صداقة مسمومة، يتحول فيها من يدعي صداقتك إلى سجان يأسر حريتك، ويعاملك كما يعامل قطعة أثاث يملكها. اقطع علاقتك مباشرة بأي شخص لا تربطه فيك سوى المصالح وحب التملك، لأن مثل هكذا علاقات لن تفيدك بشيء، ولن ترتقي بك إلى أي مكان أفضل، بل ستسحبك إلى القاع.

ابحث عن أشخاص يعرفون معنى الصداقة الحقيقية. أشخاص يعلمون أن الحب اللامشروط هو المبدأ الأوحد لتكامل أي علاقة صحية، وأن من يصادقونه إنسان وليس ملكية لأي أحد. فعندما يجتمع الاحترام المتبادل، والعطاء المتوازن، عندها فقط ستحظى بصديق حقيقي يقدرك حق قدرك، ويستحق منك كل المودة والإخلاص.

حمد حسن التميمي

Instagram: @hamadaltamimiii

copy short url   نسخ
16/01/2023
140