+ A
A -
يتناوب الفاقسون من البيض، الخارجون لتوهم إلى الأضواء، الذين نجحوا أحياناً بالمصادفة البحتة، الذين جاؤوا حينما انقطعت كهرباء الثقافة، والتزم حاملو راية الفن الأصيل الصمت المفعم بالتساؤلات، وباكتفائهم للأسف بتذكر تاريخ نضالهم القديم، هؤلاء الأقزام وإن كانت قاماتهم تصل إلى منتصف السماء، يسعَون دون رحمة ودون اتكال في تلقين الجمهور وعلى مستوى الوطن العربي، في كيفية رصف أسس النجاح كما فعلوا، وكيف أصبح اسمهم يتردد في كل مكان وصولاً إلى حظائر الحيوانات، وكل ذلك الصيت الفاحش في النميمة، يعود بالتأكيد إلى براعتهم وذكائهم، إلى جانب صبرهم وكفاحهم الطويل، وبالتأكيد لابد أن يكيلوا المديح إلى الجمهور الذي لا نعرف هوياتهم ولا ثقافتهم ولا حتى نظامهم الحياتي وأسس تربيتهم، لكنه أسهم في دعم قاعدة جماهيريتهم التي تقع دائماً على خط النار.
في كل مرة أفرك بها رأسي ما أن يأتي أحدهم ليقود مناظرة حامية الوطيس على أي من قنوات التواصل الاجتماعي، بسبب أنه ظهر في برنامج ما، أو حصل على جائزة لا يعرف أي منا مصدرها الحقيقي، أو بسبب تراكم وكثرة تداول مقاطع الفيديو التي يقومون بتصويرها والمتسخة فكرياً لنشرها على برنامج «انستغرام» على سبيل المثال، يمجدون ذاتهم بشكل مرضي، يشعرونك وهم يخاطبون جماهيرهم أو «فانزاتهم» بحسب ما يقوله البعض منهم، وكأنك حتماً لا تزال تعيش في عصر الظلام، وليس في عصر الانفتاح التقني وأنه لا شيء يمكن أن يبقى مطموراً حتى آخر لحظة، بل إنك تتلقى بشكل شبه أسبوعي فضيحة من نوع وآخر لأحد الفاقسين من البيض.
أنا متأكدة بأن هناك العديد مثلي يتساءلون بعد مشاهدة أي برنامج تتم فيه استضافتهم، أو عبر المقاطع التي تنشر لهم هنا وهناك، هل هؤلاء يعيشون حياة طبيعية؟ هل هؤلاء يدركون تماماً قيمتهم وكم تساوي للآخرين الأسوياء طبعاً؟ هل يفهم هؤلاء أن هذه الثقة التي يرتدونها في كل أحاديثهم الجانبية أو الفضائية، أنه أعتى رجال السياسة والثقافة والمخترعين ورواد الفضاء، لم يكن يشعر بعضهم إلا بالخجل والارتباك حينما يخبره الآخرون أنه شخص شهير وناجح، وأذكر قصة بقيت بذاكرتي سنين طويلة، حينما تم إعطاء الفنان المصري العالمي عمر الشريف جائزة لتكريمه على أعماله، وحينما وقف أمام الجمهور قال بثقة واضحة، «أنا لا أعلم لماذا تم اختياري لتكريمي؟ لا أظن أنني أستحق مثل هذا التكريم! فهناك العديد من العلماء والمخترعين هم الأكثر نجاحاً مني، وهم من يستحقون التكريم الحقيقي، فأنا لم أقدم سوى أفلام، ولكن هؤلاء العلماء والمفكرين والمخترعين الذين أبدعوا في حماية الإنسان من المرض أو الفقر هم بالفعل من يستحقون التكريم»، هذا ما قاله الفنان عمر الشريف رحمه الله، وهذا ما يفعله فقط الذين يدركون أن هناك من هم يستحقون الشهرة لإنجازاتهم، وليس لعرض صورهم شبه العارية، أو بتدبير المقالب بين رفقائهم!
بقلم : سارة مطر
copy short url   نسخ
22/01/2017
4434