+ A
A -

جذبت أحداث الشغب الأخيرة التي عرفتها البرازيل اهتمام الملاحظين في الغرب بشكل خاص لأنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها المنظومات الديمقراطية احتجاجات شعبية تعبر عن رفض نتائج الانتخابات. في الولايات المتحدة شهد العالم جحافل المحتجين من اليمين المتطرف وهم يقتحمون مبنى الكونغرس بعد فشل ترامب في الفوز بالانتخابات الأخيرة.

إن أخطر ما تمثله هذه الأحداث أنها مؤشرات على اهتزاز البناء الديمقراطي كما نظّرت له الأدبيات والممارسات الغربية طوال أكثر من قرن من الزمان فالانتخابات هي الوجه الأبرز لهذا النظام إذ يمثل التشكيك في نزاهتها تقويضا للأسس الديمقراطية نفسها.

الثابت أنّ الغرب عامة سواء بشكله الأوروبي أو الأميركي إنما يستمد شعارات تفوقه النظري وصلابة نظامه السياسي من الشكل الديمقراطي وهو الشكل الذي يعتمد على أعمدة ومقولات منها الحرية وحقوق الإنسان والاعتراف بالآخر... وغيرها من المقولات.

إن كل تهديد للبناء الديمقراطي الغربي من الداخل قد تكون له عواقب كارثية في خضم التهديدات التي تواجهها أوروبا من الشرق أو التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة من الصين. من جهة أخرى تبدو أحزاب أقصى اليمين في أميركا أو في البرازيل أو في أوروبا هي الأكثر تهديدا للنظام السياسي الغربي نفسه فالأحداث التي عرفتها الولايات المتحدة مع محاولة ترامب استعادة السلطة ورفض نتائج الانتخابات واتهام خصومه بالتزوير لا يمثل فقط هزة قوية لأسس البناء الديمقراطي فحسب بل يضع شرعيته كلها على المحك.

إن صعود أجنحة اليمين المتطرف في الديمقراطيات الغربية وتراجع قوى اليسار التقليدية إضافة إلى مجموع التهديدات التي تواجهها من الخارج كلها مؤشرات عن تحولات عميقة قادمة في النظام السياسي العالمي. إن الأزمات التي تهدد البناء الديمقراطي الغربي لن تقتصر تبعاتها الكارثية على المنطقة الأوروبية فحسب بل إنها ستنسحب حتما على بقية مناطق العالم.

بقلم: محمد هنيد

أستاذ محاضر بجامعة السوربون

copy short url   نسخ
12/01/2023
25