+ A
A -
كم تشكل معادلة الأخلاق في واقع أزمة الأمة المسلمة اليوم، والى أي حدٍ يعيق القصور الأخلاقي في السلوك والطبائع الفردية، وخاصة في التعامل بين الذات وبين الآخرين، المتفقين والمختلفين مع الإنسان المسلم، لنهضة وعيه ثم نهضة مجتمعه وفكره.
ففي أقل القراءات ضعف الأخلاق يمثل عائقا شرساً، أمام التقدم الجماعي والصفاء الإنساني للاستقرار النفسي لأي مجتمع، وبالتالي كلما استشرى الأمر، كلما ضعفت بنية المجتمع وممانعته النفسية، ودخل أفراده في حالة قلق وتوتر، فلا يُمكن أن يُبنى بهم ميثاقٍ مجتمعي لتعاونهم، ولا مشروع فكري أو دستوري في أي دولة.
والأزمة الأكثر عمقاً، هو أن يقدم سوء الخلق وبشاعة السلوك، وتوحش الرد وطباع النفرة والمواجهة، والغلظة على الناس كفقه للإسلام، ويالها من فرية كبرى.
إن تركيز بعض جماعات الخطاب الديني، على الفاحشة وما يعتبرونه مقدمات لها، وهيمنة هذه الفكرة على العقل الجماعي لهم، شكّل تحييدا للأخلاق في سلوك التعامل الفردي مع الناس، ومهمة استيعابهم، وأهم أمرٍ غائب، ضبط حسن الرد والحوار والكلمة الطيبة، وضبط التأويل، لما قد يرد في فكر هذا الشاب حين يرى ما يخالف عرفه.
ومع أن كل هذه السلوكيات منصوص عليها في مضبطة الأخلاق الصارمة في الإسلام، وعبر تأكيدات متعددة من وصايا الرسول الأمين، صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تغيب بصورة مروعة، عن شارع هذا الخطاب الديني، فتختطفه مظان الفاحشة ويُبالغ عليها، ولو كانت ظنونه آثمة فيما يراه تجاوزات واجتهادات، تحتملها أعراف المجتمعات الإسلامية واجتهادات علمائها.
فينهمر بتحريضه وإنكاره، وقد يرتكب البهتان أو الغيبة، أو حتى القذف، دون أن يستشعر بأي حرجٍ ديني أو تأنيب ضمير، في ظل احتفاء صاخب لما يظنه تياره، تحالف إنكار لصون الشريعة، فيُحاصر الناس في طباعهم وحرياتهم، وإن لم تكن تلك الطباع فيها ما يقود إلى فعل فاحشة مبين، أو انحلال سلوكي، ولكن أزمة فهمه وما اعتاده في تثقيفه الديني، فجعلها ثوابت يقاتل الناس عليها بلسانه، ويتفاصل معهم.
أما الجانب الآخر من قضية الأخلاق فهي التعامل في أمور الفكر والعقائد، وسقوط المنهجية العلمية لفهم دلالة الخلاف وأين يُتناول، وكيف يحدد، وأين هو المشترك مع صاحب هذا الخلاف، فتسقط وسائط الوعي ووسائل الاخلاق والتخاطب، لدى هذا الشاب ويبحث عن المختلف ثم يضخمه، ويجعله مساراً للتعامل الفردي مع كل من يختلف معه، وينعته بتصنيفات شرسة.
ثم يقول له أنا لم اشتمك، بعد أن حاصره وحشد لتكفيره وتعنيفه، ممارسي هذا السلوك المريض، فيستبيحون عرض المخالف، الذين لا يَعرف بعضهم أو كثير منهم، فيما اختلف صاحبهم، وما هي تفاصيل هذا الاختلاف، وما هو دافع التحريض على هذه الجماعة أو الشعب خارج دائرة أعرافهم، فهم يعتقدون أن العرف السائد لديهم هو الدين.
وخلال تنقلي في ماليزيا، لاحظت أن هناك مضبطة أخلاقية وانتشار في الحجاب، وسلوك تعامل ودود في كل جهة أو ريف اتنقل فيه، وبالمجمل هناك احترام ومزاج مرتاح غير متوتر، وهناك عمق حاضر للفكرة الإسلامية في كل زاوية، يُتمسك بها بتسامح واهتمام تشريعي، والحفاظ على أداء العبادات والعفاف، دون أي مطاردة قانونية، وهو ما تأكدت منه، في لقائي مع د. يسري محمد رئيس منظمة الدعوة الإسلامية الحكومية في ماليزيا، حيث سألته عن ظاهرة الحجاب، هل فيها مواد قانونية، قال كلا.
ويشرح د. يسري محمد قصة حضور الهوية والقناعة لدى الشعب الماليزي برسالة الروح والتدين السلوكي، بأنها قديمة الجذور مرتبطة بمدرسة الأوائل، في الفقه وفي السلوك، وفي قصة الاستقلال الذي خاضه الشعب بهذه الهوية، التي كانت ممزوجة بين فقه الامام الشافعي وبين مدرسة التصوف المعتدل، فساعدها ذلك على فهم مسالك الحداثة، واحترام المختلف في ظل دولة دستورية مدنية متعددة، ولكن دون أن تغيب دلالات الفكرة الإسلامية عن الحياة الاجتماعية للشعب، باختياره الفردي، وان ساعدت الحكومات الوطنية في هذا المضمار قديما.
ولست أقدم بالضرورة نموذجاً محدداً لكل بيئة، ولكن أقول إننا اليوم، نعيش في المشرق العربي أزمة أخلاق شرسة، تحتاج إلى حركة تنوير ضخمة باسم الشريعة، تعيد صياغة تعريف الأخلاق وماهي في الرسالة الإسلامية، وكيف يبقى البغي والبهتان والنميمة والطعن، معاصٍ كبيرة لا يُمكن أن تشرّع لأن ممارسها، يرفع خطاب الواعظ المشفق أو الغيور على دين الله، وهو يهدم أساس رسالته، ويتفنن في فتنة خليقته.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
12/01/2017
5104