بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: خلق الله القلب فجعله ملكًا والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، قال صلى الله عليه وسلم: «وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَة إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسَدُ كُلهُ، وَإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وَهِيَ القَلْبُ» فهو محل الإيمان والتقوى، أو الكفر والنفاق والشرك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ». والإيمان اعتقاد وقول وعمل، اعتقاد القلب وقول اللسان، وعمل القلب والجوارح. فالقلب يؤمن ويصدِّق، فينتجُ قولَ الشهادة على اللسان، ثم يعمل القلب عمله من محبة وخوف ورجاء؛ فيتحرك اللسان ذِكْراً، وقراءة للقرآن، وتتحرك الجوارح سجوداً وركوعاً، وفعلاً للصالحات التي تقرب إلى الله. فالجسد تابع للقلب فلا يستقر شيء في القلب إلا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه. والمراد بالأعمال القلبية: هي الأعمال التي يكون محلها القلب، وترتبط به، وأعظمها الإيمان بالله الذي يكون في القلب، ومنه التصديق الانقيادي والإقرار، هذا بالإضافة ما يقع في قلب العبد لربه من المحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والصبر، واليقين، والخشوع، وما إلى ذلك.
وكل عمل من أعمال القلب فإن ضده مرض من أمراض القلب؛ فالإخلاص ضده الرياء، واليقين ضده الشك، والمحبة ضدها البغض... وهكذا، وإذا غفلنا عن إصلاح قلوبنا تراكمت عليها الذنوب فأهلكتها قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ العَبْدَ إذا أخْطَأَ خَطِيْئَةً نُكِتَ في قَلْبهِ نُكْتَةٌ فَإنْ هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَتْ فِإنْ عَادَ زيْدَ فِيْهَا حَتَّى تَعْلو فِيْهِ فَهُوَ الرَّانُ الذَّيْ ذكَرَ الله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)». وقال صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».
والعبادات القلبية معرفتها أفرض وأهمّ على العبد من معرفة أعمال الجوارح،لأنها الأصل وأعمال الجوارح فرع عنها، ومكمّلة ومتمّمة وثمرة لها، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لا يَنْظُر ُإلى صُوَركُمْ وَأمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ ينْظُرُ إلى قُلُوْبكُمْ وَأعْمَالِكُمْ». فالقلب هو محل العلم والتدبُّر والتفكر، ولذلك كان التفاضل بين الناس عند الله بحسب ما وقر في القلب من إيمان ويقين وإخلاص ونحو ذلك.