+ A
A -
جريدة الوطن

في أواخر عام 2021 كان العالم على موعد مع اكتشاف متحور جديد من متحورات فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد- 19. وأطلقت منظمة الصحة العالمية على المتحور الجديد اسم «أوميكرون».

وحسب قاموس كولينز، فالاسم مأخوذ من الحرف الـ15 في الأبجدية اليونانية، ومعناه «الخامس».

جاء ظهور المتحور «أوميكرون» بعد تطعيم ملايين البشر بتطعيمات ضد فيروس كورونا، وظهرت عدة مخاوف من ألا تكون للتطعيمات الفاعلية نفسها على المتحور الجديد، وهو في الواقع خوف مشروع خاصة أن المتحور الجديد تتركز اختلافاته في المنطقة التي تستهدفها التطعيمات في الغالب. فكيف كان تأثير «أوميكرون» في سنته الأولى؟ ولماذا أصبح أكثر نسخ الفيروس انتشارا؟

المتحورات.. مصدرها وأسباب ظهورها

ظهر فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 (الذي أطلق عليه سارس-كوف-2) أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية، وتم عزل الفيروس من المرضى كما تم وضع سلسلة للتتابع الجينومي (الوراثي) للفيروس في الصين مع توفيرها للجميع على الإنترنت أوائل عام 2020.

اعتمد المجتمع العلمي ومنظمة الصحة العالمية على نظام المراقبة والاستجابة العالمي للإنفلونزا الذي كان قيد الاستخدام قبلها بسنوات في تخزين وتتبع جينوم العزلات المختلفة للفيروس الذي وصل إلى أكثر من 13 مليون جينوم حتى أكتوبر/‏ تشرين الأول 2022.

وأتاح هذا النظام الفرصة للباحثين من مختلف أنحاء العالم ليدرسوا تفاصيل جينوم الفيروس المعزول من مختلف أنحاء العالم، ويقارنوا بينها وبين الفيروس الأصلي المعزول من مدينة ووهان عند بداية ظهور المرض.

من هذه البيانات اتضح أن جينوم الفيروس يتكون من نحو 30 ألف وحدة (تسمى كل منها نيوكليوتيدة) تحتوي على 29 جينا مسؤولا عن تكوين أقل من 30 بروتينا. وهذا بالطبع يوضح أن جينوم الفيروس صغير جدا مقارنة بجينوم الإنسان، الذي يتكون من 3 مليارات وحدة (نيوكليوتيدة) بها ما يزيد على 44 ألف جين، ومئات الآلاف من البروتينات.

وعند مقارنة جينوم عزلة جديدة من الفيروس مع الجينوم الأصلي ووجود فرق بين الجينومين الجديد والأصلي تسمى العزلة الجديدة «متحور». ويحدث هذا الفرق نتيجة حدوث طفرة جينية أو خطأ في عملية مضاعفة الفيروس لمادته الوراثية أثناء عملية تكوين الفيروسات الجديدة داخل جسم المريض.

وعملية حدوث هذه الطفرات أو الأخطاء تحدث عشوائيا، وبالتالي قد تحدث في أي جزء من أجزاء جينوم الفيروس فتؤثر سلبا أو إيجابا على خطورته وسرعة انتشاره وقدرته على العدوى؛ وبالتالي، فليس كل تغيير (كل متحور) مهم أو خطير.

متحورات عديدة وتسميات مختلفة

حتى الآن، رصدت منظمة الصحة العالمية آلاف المتحورات من الفيروس، وفي البداية تمت الإشارة إليها باسم الدولة أو المدينة التي تم عزل المتحور فيها لأول مرة؛ فكان هناك متحور فيروس كورونا الإنجليزي، والجنوب أفريقي، والهندي، والبرازيلي.

إلا أن هذه الطريقة في التسمية اشتملت على نوع من الوصم للدول التي يظهر فيها المتحور؛ وبالتالي اعتمدت منظمة الصحة العالمية نظام تسمية بسيطا يعطي لكل متحور رمزا خاصا يتم استخدامه في المراجع والأوساط العلمية والطبية، واسما آخر سهلا يتم استخدامه إعلاميا لسهولة التواصل مع العامة. واعتمدت التسمية الجديدة على الأحرف اليونانية، وتمت تسمية المتحورات الموجودة وقتها بأثر رجعي. على سبيل المثال المتحور الإنجليزي تم تغيير اسمه من متحور المملكة المتحدة إلى المتحور «ألفا» وأعطي الرمز (B.1.1.7)، ومتحور جنوب أفريقيا سمي المتحور «بيتا»، وأعطي الرمز (B.1.351).

وتقوم منظمة الصحة العالمية بتصنيف المتحورات إلى عدة أقسام رئيسية حسب درجة أهميتها:

1 - متحورات تحت المراقبة والتتبع: وهي المتحورات التي ثبت أو يتوقع أن تكون ذات خطورة، ومنها متحورات ألفا وبيتا.

2 - متحورات يجب الاهتمام بمتابعتها: وهي أي متحورات تحتوي على أي تغير يطرأ على المنطقة يرتبط بها الفيروس في مستقبلات الخلايا البشرية.

3 - متحورات تدعو للقلق: وهي المتحورات التي تُظهر زيادة في الخطورة أو القدرة على العدوى أو سرعة الانتشار.

4 - متحورات ذات عواقب شديدة: وهي المتحورات التي تظهر عواقب خطيرة، مثل فشل طرق التشخيص المعروفة في تشخيصها أو قدرتها على الهروب من اللقاحات المعروفة.

5 - متحورات أخرى: وهي أي متحورات لا تدخل في الأقسام الأربعة السابقة، وتكون عادة متحورات غير خطرة وليس لها تأثير على زيادة خطورة الفيروس ولا نحتاج لمراقبتها.

متحور «أوميكرون».. 37 طفرة في بروتين واحد

المتحور الخامس في قائمة المتحورات التي تدعو للقلق اصطلح على تسميته أوميكرون، وحصل على الرمز (B.1.1.529)، وكان أول المتحورات التي تتم تسميتها طبقا لنظام التسمية الجديد قبل أن تسمى المتحورات السابقة بالطريقة نفسها بأثر رجعي.

تم عزل أولى نسخ المتحور أوميكرون في نوفمبر/‏ تشرين الثاني 2021 من مجموعة مرضى من دول مختلفة ومتباعدة، منها دول سافرت إليها الحالة أو خرجت منها إلى دولة أخرى، وتشمل هذه القائمة بتسوانا وجنوب أفريقيا وهونغ كونغ ومصر وبلجيكا ومدغشقر والهند.

وكان أول ما لفت الانتباه لاحتمالية الخطورة الكبيرة لهذا المتحور أن به عددا كبيرا جدا من الطفرات (37 طفرة) في البروتين «إس» (S) المسؤول عن بدء العدوة، حيث يرتبط هذا البروتين بمستقبل معين على سطح خلايا الجهاز التنفسي في الإنسان، ومنها يبدأ الاختراق والدخول للخلية لإحداث العدوى.

التحليلات الأولية لجينوم المتحور الجديد وجدت أن 15 طفرة من أصل 37 توجد بالضبط في المنطقة التي ترتبط بالمستقبل الخاص على سطح خلايا الجهاز التنفسي. الأمر الذي سبب قلقا مبررا من هذا المتحور، حيث إن التغيرات العديدة في هذه المنطقة تنذر بمشكلتين:

أولاهما تلك التي ظهرت صحتها في ما بعد، وهي زيادة قدرة المتحور أوميكرون على إحداث العدوى بسبب قدرة أكبر على الارتباط بالمستقبِل الخلوي على سطح خلايا الجهاز التنفسي.

أما المشكلة الثانية فهي الخوف من أن التغيرات المكثفة لبروتين «إس» قد تؤثر على فاعلية اللقاحات الحالية التي كانت تعطى يوميا لملايين البشر بهدف الوقاية من الفيروس، وفي سبيل إعادة الحياة لسابق عهدها قبل الوباء.

عام على ظهور المتحور «أوميكرون»

أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا مفصلا بمناسبة مرور عام على ظهور المتحور الأهم من بين آلاف المتحورات التي تم اكتشافها لفيروس كورونا وهو متحور أوميكرون.

ويظهر التقرير أن أوميكرون أثبت فورا أنه أكثر قدرة على الانتشار من أقرب المتحورات له وهو المتحور دلتا، الذي كان يعرف سابقا بالمتحور الهندي. ففي خلال أقل من شهر كان أوميكرون قد انتشر في جميع أنحاء العالم وغطى انتشاره على انتشار المتحور دلتا.

صاحب ذلك ارتفاع ملحوظ في معدلات الحجز بالمستشفيات لحالات كورونا، وزيادة في الوفيات، وتركز ذلك على مرضى الأمراض المزمنة غير الحاصلين على التطعيم. لكن بالنسبة للذين حصلوا على اللقاح أو سبق لهم العدوى فقد لوحظ أن حدة المرض أقل من المتحورات السابقة. وخلال العام، ظهر ما يزيد على 500 متحور جديد تنحدر من المتحور أوميكرون من دون زيادة ملحوظة في شراسة المرض أو خطورته. كما أن اللقاحات أثبتت أنها تؤدي بفاعلية مقبولة مع أوميكرون.

ومؤخرا ظهرت لقاحات ثنائية الفاعلية (bivalent vaccines) تحمل لقاحين معا؛ الأول اللقاح ضد الفيروس الأصلي، والثاني ضد المتحور أوميكرون.

وحسب نظام المراقبة والتتبع الذي تستخدمه منظمة الصحة العالمية، فقد وصل انتشار متحور أوميكرون إلى 100 % في بعض الدول، وإلى أكثر من 98 % في معظم دول العالم، مستبدلا الفيروس الأصلي وجميع متحوراته الأخرى.

copy short url   نسخ
03/01/2023
10