+ A
A -

قارئي العزيز، صدقنِي الأيّامُ لا تُخبئُ أحدًا، أكتُب ذلك وفِي شِبهُ غصَّة عالقة بالوِجدان، تلك الغصَّة التي تتشكَّلُ كُلما وجدتُ شخصًا لا يُريدُ أن يفقَهَ شيءًا ويجحَدُ بالحَق أيَما جحُود ويُجاهِرُ بهِ، فيسُنُّ قوانين خاطئة وسيئة لم يأتِ بها العِلم ولم يُخبرنا بها حتّى آباؤنا الأولون، يفعَل ذلِكَ بكُلِّ كِبَر بسبب مكانتِهِ الوظيفية الرفيعَة، ويخلُق لنمَط غير صحِّي نهائيًا في بيئة العمل، بل ويُغَيُّر تاريخًا بأكمله، فالحماقة قد تُوصِلُهُ إلى حَدّ ذلك بسبب تجبُرِهِ على الحَقّ واختلاقِهِ لحَقٍ باطِل وفارِغ لن يُلزِم نفسَهُ بِهِ فقط بل فيلَق من يعمَل في بيئتِهِ ومَن يتعامَلُ معها من قريبٍ أو بعيد.

إنَّ تُراثُنا القطري الجميل يزخَرُ بالعديد من الأمثالِ والحِكَم الحياتِيَّة العميقَة، ومنها: «عَط الخُبز للخَبَّاز» أي أولِي الأمر لأهل الاختصاص والمَعرِفَة والدِرايّة، لكِنَّ اليوم نجَدُ البعض قد أعطَى الخُبزَ للنجار، نجارٌ يأبَى أن يفهَم ويتعرَّفَ على مهنَةِ الخَبز، نجارٌ يُريدُ من منجَرَتِهِ أن تُنتِجَ خُبزًا صالِحًا للاستخدامِ البشري، فوا أسَفِي على كُلِّ من اكتَسَبَ صِيتًا ومكانَةً على لا شَيء. الأيَّامُ لا تُخَبِّئ أحدًا، المواقِف تُجبِرُنا على اختِبار صلاحِيَّة أيٍ مِنّا لتحَمُّل وِزر القرارِ والمسؤوليَّة، صلاحِيَّة تامة امتثالًا لأمانَةِ العمَل التي حثّنا عليها الدين والوطنُ والعقلُ السليم، رَبُّ العمَل عليهِ أن يَعِي أن الجامعات والمعاهِد والدورات والكُتُب والمواقِع التي تزخَرُ بالإرث الإنساني من المعرفة تُقَدِّم فوائِد حقيقية ومناهج أساسية وآليات مدروسة لتحقيق أهداف عملية واقعية على أرض الميدان وبالشكلِ السليم، عليه كذلك أن يعِي أنَّ الخبط عشوائيَّة والخوف من تنفيذ الصحيح بحُجَّة أن قومِي ممِنّ لا يفقهون؛ عليه أن يُقابَلَ بتفعِيل الإجراء الصحيح بشجاعة وتفهيم كافَة الأطراف بِه، فلا يجب أن يكون هُناك قوَّة أعلى من قُوَّة العِلم ولا يجِب أبدًا أن تُطمَسَ عينُ الحَق بسبب عُمي أذهان البعض وتجبُّر البعض وخوفِ البعض الآخر!.

قارئي العزيز، إنَّهُ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، ليسَ علينا يا صديقي أن نخشَى توظِيف من لا خِبرةَ له، فإن كانَ جادًا سيُشَكِّل عندَهُ خبرةً مهنية ممتازة في أجَلٍ قصير، مُستفِيدًا من تجارُب الآخرين ومُمارِسًا حقيقيًا يُحَوِّلُ تجارُب الخطأ إلى صواب، ويُحَوِّلُ تجارُب الصواب إلى جادَة تنبُضُ بالإبداع والترَقِّي، كما أنَّهُ ليس علينا أن نقلَق كثيرًا من جدوى توظيف من لم يدرُس التخصص الدقيق المُطابِق للوظيفية الشاغِرة؛ ذلِكَ إن كانت لديهِ القابليَّة الحقيقيَّة للتعلُّم والتفَقُه والتنافُس في سُوق العمَل الشرِسَة. إنَّ الخوف، كُلُّ الخَوف من ذاكَ الذي يأتِيكَ ليَسُنَّ سُننًا غريبَة تُنافِي العقلَ والمنطِق، فقَط لرغبته في التفذلُك الوقِح، وفرض الأوامر التعسُفِيَّة، وإن أقنعتَهُ اقتَنَع لكِنَّهُ يُصِرُّ على رأيِه بسبب حُجَج واهِيَة لا صحَّة لها، تخوَّف من هذا كثيرًا يا صديقي فلا فائدة في عَقلٍ لم تعمَل بِهِ يَدُ المعرِفة، ولا فائِدَة مِن منصِبٍ لم يزِد صاحِبَهُ إلا غطرسَة وكِبرًا وجهلًا وضَلالًا.

***

صَديقي، هَب أنَّ جاهِلًا عَنِيدًا يُجادِلُكَ فيما تُجزِمُ وتؤمِن؛ بفضلِ قُوَّة العِلم والعَقلِ والتَطبيق السَلِيم، فتُفنِعهُ بِشَقِّ الأنفُس فيقتنِع، وبسبب جهل وعُميِ منظُومتِه الأعلَى مِنهُ ومنك، ُيُقَرِّر أنَّ الجهلَ هو الحَلُّ الأسلَمُ، ويُعلِنُ أنَّ رأيَهُ الأوّل هُوَ الصَحيحُ الأصَحُ الأصحَح.

أيا صدِيقي، لم يمزحُوا أبدًا عندما قالُوا: «العُلمَاءُ أشقَى مِنَ الجُهلاَء».

copy short url   نسخ
01/01/2023
90