+ A
A -


أعطى قرار مجلس الأمن 2334 بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة قبلة الحياة لمشروع حل الدولتين ورد له الاعتبار، بعد أن كاد يدخل غرفة الإنعاش ويفقد قيمته على مدى عدة سنوات مضت. ولم يكن مفاجئا أن تشعر إسرائيل بالذعر من هذا القرار لأنه يحدث تغييرا جوهريا في مسار أية مفاوضات مزمعة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك على عكس ما ذهبت إليه إسرائيل. وتفاقم الذعر الإسرائيلي بعد خطاب جون كيري وزير الخارجية الأميركي الذي اتهم فيه إسرائيل صراحة بأنها المسؤولة عن انهيار الجهود الأميركية بسبب إصرارها على التوسع الاستيطاني.
يأتي القرار 2334(الصادر 23 ديسمبر 2016) ليضع نهاية للصلف الإسرائيلي ويعيد الأمور إلى الطريق الصحيح. فوفقا لصيغته وحجم التأييد الدولي الذي حظي به فإن المستوطنات لم تعد موضوعا للتفاوض عند الحل النهائي لأنها لا تصلح لأن تكون موضوعا للتفاوض بما أنها أصبحت غير شرعية وفقا لمنطوق القرار. ليس الجديد منها غير شرعي فقط بل كلها مجتمعة منذ الاحتلال في يونيو 1967.كما أن القرار بهذا المعنى يحتم أن تكون هناك شروطا للتفاوض لا تستطيع إسرائيل الفكاك منها، وهي التي ظلت تصر دوما على ألا تكون هناك شروط مسبقة في أية مفاوضات. فطالما لم تعد المستوطنات مشروعة فإنه لا يجب الاعتراف بأية تغييرات حدثت في حدود 4 يونيو 1967، وفي وضع القدس أيضا.
وجاء خطاب جون كيري وزير الخارجية الأميركية (خطاب الوداع) كاشفا للمضمون السياسي لهذا القرار ،وهو تحديدا إنقاذ مشروع حل الدولتين. وتضمن خطابه مقولات مهمة من شأنها تعزيز التغيير في مسار التسوية الذي أحدثه القرار 2334. ومن ذلك تأكيده أن غالبية الأراضي التي يجب أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين حسب اتفاقية أوسلو أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن مواقع بعض المستوطنات يجعل من قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا (وصلت إلى الحدود الأردنية)، وأن معظم الضفة الغربية الآن غير مسموح للفلسطينيين بالبناء عليها. وقال أيضا إن المستوطنات تهدد أمل الفلسطينيين في إقامة دولتهم، كما تهدد أمن إسرائيل في آن واحد. وبناء عليه أكد كيري أن حل الدولتين الآن أصبح في خطر شديد.
في تقييم الحدثين، القرار 2334 وخطاب الوداع لجون كيرى، هناك قراءتان. أنصار القراءة الأولى قالوا بأن القرار قيمته رمزية ليس إلا لأنه غير ملزم، وأنه تصفية حسابات شخصية من جانب أوباما ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو لغياب الكيمياء بينهما. ومن جهة أخرى أراد أوباما أن يصدر العراقيل إلى خصمه ترامب قبل أيام من توليه المنصب.
وأما أنصار القراءة الثانية فيرون العكس، أي أن كلا الحدثين جاء حرصا على إسرائيل والفلسطينيين في آن واحد. فوفقا لما جاء على لسان كيري نفسه فإن حل الدولتين الذي يحتم وقف الاستيطان هو الطريق الوحيد لمستقبل إسرائيل دولة ديمقراطية. هو يرفض أن تظل إسرائيل دولة احتلال مسؤولة عن شعبين، حيث لن يحقق لها ذلك الأمن ولا هويتها ولا نظامها السياسي الديمقراطي.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليس من المتصور أن تنقلب إدارة مثل إدارة أوباما على صديقتها إسرائيل وهي التي كانت أكثر سخاء من غيرها في دعمها للدولة العبرية ماليا وسياسيا طوال السنوات الثماني الماضية. ومن جهة ثالثة فإنه بغض النظر عن مواقف ترامب شديدة الانحياز لإسرائيل حسبما ظهر خلال حملته الانتخابية، لم يحدث أن قطعت إدارة أميركية الخيوط تماما مع إرث الإدارة السابقة، بل هناك حد أدنى من التواصل والتلاقي في الرؤى. ومن ثم يصعب على إدارة ترامب أن تتنصل من قرار دولي صدر بما يشبه الإجماع.
هناك جديد إذن في مسار أية مفاوضات مزمعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولا يجب على الطرفين العربي والفلسطيني إهدار الفرصة.
بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
07/01/2017
4274