+ A
A -

في ظل تنامي دور الفضاء السيبراني، تحاول العديد من دول العالم لتخلق لنفسها مساحة آمنة فيه كي تحافظ على أمنها القومي من ناحية، ودعم نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري عالمياً وكذلك سياساتها الخارجية من ناحية أخرى، وبهذا فإن أحد الحجج الرئيسية لإنشاء الحدود الرقمية في الفضاء السيبراني هي نفسها المستخدمة منذ معاهدة ويستفاليا عام 1648 وهو الحفاظ على الأمن بمفهومه الشامل. إذ يفترض أن مسؤولية الدولة الرئيسية تمكن في هذا المجال بحماية البيانات الشخصية لمواطنيها أولاً والحفاظ على أمنها القومي من التهديدات الخارجية، ويحتم هذا المشهد على الدول اتباع الاعتماد المتبادل بينها وبين القطاع الخاص فيها، وشركات الإنترنت العملاقة المهيمنة على الفضاء السيبراني العالمي لأن الأخير يتطلب قدراً كبيراً من الاختصاص والمهارة والخبرة ومعرفة عميقة بالمعلوماتية وثورة الاتصالات.

ما نستنتجه مما تقدم، هو أن الفضاء السيبراني غيّر من أنماط العلاقات الدولية ونتيجة لذلك لم يعد للحدود أهمية كبيرة بعد أن أضعفت السيبرانية عامل الجغرافيا. إن نظرة متفحصة اليوم إلى التأثير المتعاظم لهذا العالم على الواقع تشير بوضوح إلى عمق السيطرة المتحققة للفضاء السيبراني وما تحمله أدواته من تطبيقات مبهرة ومتنوعة على حياة البشرية بشكل يومي. إذا نظرنا إلى العالم السيبراني بلغة الأرقام نجد أكثر من 4.9 مليار مستخدم فعال للشبكة العنكبوتية وحوالي 4.3 مليار يدخلون إلى 198 مليون موقع فعال للإنترنت عن طريق هواتفهم الذكية، وما يزيد على 7 ملايين مقال يتم نشرها يوميا، وأكثر من 500 ساعة من الفيديوهات يجري تحميلها على اليوتيوب كل دقيقة حتى بات المستخدم يقضي ما يزيد على 6 ساعات يومياً على الإنترنت.

إن الفضاء السيبراني ذو أهمية عظيمة لسير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيوسياسية والجيواقتصادية للبشرية جمعاء، كما كما أنّ أهميته تجعله في صميم التنافس الدولي، حول من يسيطر ومن يملك ومن يبسط النفوذ. ففي هذا الفضاء لا وجود للحدود الوطنية بينها، فهناك حدوداً افتراضية لا مرئية يرسمه الطيف السيبراني على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية لتقيم عالماً من دون دولة ومن دون أمة ومن دون جغرافيا.

copy short url   نسخ
01/01/2023
85