+ A
A -

حين تَسَاءَلْت الأديبة العربية القديرة «سكينة حبيب الله» عن أسباب ارتداء اللصوص لملابس مخططة؟

أجابها صغيرها: «لأن لديهم مخططًا».

فاللص يرتدي المخطط بالأبيض والأسود في الأفلام بينما لا يرتدي النصّاب سوى الملابس الرمادية في الواقع؟

فلطالما أعان هذا الرمادي الباهت النصّاب في الظهور بمظهر أخفت ضراوة من اللص، فالأخير حرامي واضح يسرق من جيبك، وإن حاولوا ضبطه، بكى واستعطف وإن أوقفوه اعترف.

أما «النصّاب» فيحتال من المنبع ولا يهرب، بل ينتصب كزعيم أمام ضحاياه بعيون وقحة، مفتوحة، وعلامة نصبها شدة الوقاحة ليستمر في خداعك برماديته لآخر رمق بدعوى أن فرض المزيد من الضرائب هو لصالحك. وتصف «صافي ناز كاظم» الرمادية بأنها: «لون مصنع وفقًا للمطلوب، متباين في درجاته بين الفاتح الذي يعكره السواد وبين الرصاصي الذي شابه البياض ليخرجه من عزة السواد وسؤدده، فضلا عن كونه لون الزنازين».

الرمادية تجعلك عالقًا بدخان الإغراءات غير المباشرة، لذا، فهي أحد أسلحة مندوب شركات الأدوية للتعتيم على ضمير الطبيب، ما يسهل تواطئه مع المندوب لعقد شراكة –مسمطة- لاستغلال الثقة المولاة للطبيب لترشيح أدوية الشركة مقابل التعشير في المكسب.

فالمندوب لا يطالب الطبيب بسَرِقة كلية أو الإضرار بصحته وإن ضرّ جيبه، بل يوحي له بأسلوب غير مباشر بإمكانية تحقيق مكاسب متبادلة باستخدام ثقة المريض في انتخاب أدوية الشركة.

يعد التلاعب بالمُسميات سلاحًا يُيسر استغلال جهل المنصوب عليه، لذا، ينتشر النصب باسم طب الأعشاب، لتوهم المرضى بكون عنونة الأعشاب «بالطبيعية» كفيل باعتبارها ماًء زُلاَلًا.

«الإيحاء» ليس من أسلحة النصب الفعالة لفراسة أو لقوة شخصية النصّاب، بل لضعف المنصوب عليه، ومناط الضعف ليس هشاشة العقل، لكن عدم استخدامه أساسًا، أو إعلاء العاطفة عليه، ما يفسر سهولة الغنيمة من الغنم لطواعيتهم في السير مع القطيع أو للركون للوثوق في أهل الثقة عوضاً عن الركون لأهلية العقل.ولليوم نجد إقبالًا من جموع الزبائن على شراء أكياس سمك مستوردة مكتوب عليها «ذبحت وفقاً للشريعة». ينطال النصب على حملة الدكتوراه لاعتقادهم أن طَرق مختلف الأبواب للتعافي بالشعوذة سلاح غير دامي، وإن لم يُجد، فلن يُضر.

النصابون يتربحون من البسطاء بأسلحة الجذب الرمادي لا الإلحاف الفوسفوري،

بالاستدراج الباهت لا الانقضاض الفاقع، كسهام التهويل لضبابيتها أوغيوم التزوير لغموضها والتي تبدو من ثناياها فقاقيع القصص المختلقة العائمة على خط الرجعة، بسهول السراب،عند حافة شواطئ التنصل وملاعب المراوغة.

الأسئلة الملتوية من الأسلحة الرمادية الفتاكة للإعلامي النصّاب، الذي يستدرج ضيوفه لسرد خبايا حياتهم، وقد يختلق أخبار كاذبة بدعوى أنه سيتيح حق الرد -لاحقًا- لمن طالته الفضيحة، فهو ساقي السُم والترياق في الكأس ذاته.

مندوب المبيعات «الزنّان» يُلِّح على العملاء لشراء بضاعته المُزجاة، لا يشعر باثم من تهويله من محاسنها، أو همسه لدى ذكر الثمن.

كما تكتب الشركات -بخط لا يُرى- التحذيرات من أضرار «المنتجات» لتبدو منضبطة في ذكر مواصفات بضائعها

يتسلح النادل النصّاب باللطف وبالابتسامة بالغة لتهذيب ككمين لاستمالة الزبون لينصاع لنصيحته باختيار طبق الجمبري البايت، فينال استحسان مديره، كما يفوز ببقشيش من المُغفل. وهب ثار الزبون عقب إدراكه للفخ، فسيمثل النصّاب دور الوديع الصابر على عصبية الزبائن كدرع يستجير به، ولإغراق ضحاياه في محيط هادر من مشاعر الذنب.

copy short url   نسخ
31/12/2022
25