+ A
A -

هل انتهت حقا كأس العالم؟ نعم لقد خُتمت المباريات وانتهت بفوز فريق الأرجنتين تتويجا باللقب لكنّ التصفيات الحقيقية بدأت للتو. لقد شكلت كأس العالم قطر 2022 منعرجا تاريخيا على أكثر من صعيد خاصة ما تعلق منه بالواجهة الحضارية والصدام الثقافي الذي طرح على مستويات كثيرة بين الشرق والغرب.

غيرت الدوحة نظرة العالم إليها وإلى المنطقة العربية تغييرا حاسما وتحولت الهجمات الإعلامية ضدها إلى اعتراف بالنجاح وإقرار بالتفوق وتصريح بقدرة البلاد التنظيمية التي فاقت كل التوقعات. أدرك الغرب قبل الشرق أن البلد قد حقق بواسطة القوة الناعمة ما لم يحققه غيرها بالقوة الصلبة وتحول «البلد الصغير» إلى قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب لا في عدد الجيوش أو حاملات الطائرات أو راجمات الصواريخ، بل في الفعل التنظيمي والكفاءة الدبلوماسية والحكمة السياسية والقدرات التواصلية.

هي ببساطة مجموع الإمكانيات التي تستعملها الدول والحكومات لتفادي استعمال وسائل القوة الصلبة من الجيوش والعقوبات والحصار وغيرها لفض النزاعات أو تفعيل مبدأ السيادة أو منع الأزمات. القوة الناعمة هي المقابل للقوة الخشنة أو القوة الصلبة وهي مؤسسة على وسائل غير مادية مثل اللغة والثقافة بمفهومها الشامل من فنون ورياضة وتعليم وتقاليد إلى جانب الدبلوماسية والوساطات والتحكيم والمعارض والندوات وغيرها من الأدوات الرمزية التي تحاول عبرها الدول تكوين خطوط دفاعية رمزية تؤمن سيادتها وثروتها وتخرج بها من مجال المفعول إلى مجال الفاعل.

الحروب مثلا هي واحدة من أوجه فشل أدوات القوة الناعمة في منع الاصطدام ونتائجه الكارثية. بناء عليه فإن استدعاء أدوات القوة الصلبة ممثلة أساسا في السلاح إنما ينتج عن فشل المفاوضات والوساطات والتحكيم في منع الانزلاق العسكري.

جوهر القول أن ما كشفته كأس العالم الأخيرة في الداخل والخارج يعتبر أهم إنجازات المناسبة العالمية. لا يقتصر الأمر على نجاح التنظيم وتحطيم الأرقام القياسية وكشف النفاق الإعلامي الغربي بل يتعلق أساسا بما أفرزته المناسبة من وعي جديد بصورة الأنا وصـــــورة الآخــــر وأدوات التحكم والتوجيه والسيطرة في إطار نسق حــــضاري تتجدد جولاته بين المشرق والمغرب.محمد هنيد

استاذ محاضر بجامعة السوربون

copy short url   نسخ
30/12/2022
15