+ A
A -

الصورة هي اختلاس قضمة من ثغر الزمان شهية تتوالى على علكها الأجيال قبل أن يبتلعها بلعوم الفناء.

هي لحيظة تَسرق فراطة من جيب الحاضر لتقديم عيدية للمستقبل بعيد خلود الماضي.

إنها غواية اللقطة وثورة اللوحات الجدارية على الواقع.

اواه حين تُمسي الصورة استغاثة خرساء لتسول اهتمام أو طلب صارخ للتقدير أو إعلان استحقاق للمزيد من التقدير.

الصورة هي تأريخ يختزل مواسم العمر بتدوينات مذ

لقطة الموجات الصوتية «السونار» للجنين،

تليها صور شموع الميلاد،

ثم ألبوم «البولارويد» في أعوام الصبا، وعقود المراح،

وصور إطار الزواج وسنوات الشموخ،

وحتى لحظة الوفاة وصورة شارة الحداد.

-إنها سُلّم موسيقي يَرتقي بك لثماني درجات من الحاد الذي يضعك على قمّة النشوة، ثم يهوي بك لقرار واقعك في لحيظات -غالبًا- دون مخاطرة جادة.

إنها إسقاط ضوء مرئي على جسدك ليبدو ثابتا فلا يعكس روحك المرتجفة كورقة تشرين الخريفية.

هي صك جزء من عملة الحقيقة لتزييف الأحق بأوراق ذات سندات «وهمو- حقية».

إنها شطط إيجابيتك في الإفصاح عن ركن مضيء بحياتك، معكوس بظلمة النيجاتيف.

الصورة تدفعنا للانسياق وراء لحيظات من ملذات الشرود وهرطقات الأحلام يتبعهما دهر من الإفاقة، ومع ذلك، فهي تُسْهِم في تأبيد الوهم.

-الكاميرا تبرهن أنه «لا دخان بلا نار»، ثم تلتقط صورة لضباب الدخان المصطنع في عُلَب الليل لتثبت قدرتها على الخداع.

-الصورة حُلم ذو سند علمي، وطوق نجاة من سفينة الواقع بالهروب من أجاج يمّ اليوميات لحلو شتات الهيامات المختلقة برتوش دقيقة، محبوكة بحرفية.

الصورة سلاح يفضح قياصرة الحرب، لكنها لا توقف نزيف الدم، بل ترتوي بالتقاطه وتقتات من أرباحه.

الكاميرا ساحرة شريرة، تُصَور ولا تُدَقق، تَصب في عينيك عَصير الكُذاب وتتآكل في عدساتها ثمار الحقيقة لتقنعك أن مذاقات الحياة ملحها خفيف.

الكاميرا تستطيع فتح عيون الليل لكنها أقدر على بسط الغشاوة على بصرك بوضح النهار.

تعجز الكاميرا عن تصوير السند في الشدة والتخلي في الضعف واللوع من أقرب الأقرباء، لكنها متمكنة في التقاط مُزاحمة الأشواق، مآقي المصابيح ودموع التماسيح، ثرثرة المعاشات، البسمات الحزينة للمطلقات، وثغر أرمل تذوي على شفتيه الحروف.

-الصورة هي إبنة الضوء، تَرفع وتَنصب وتضم من تشاء، ثم أنها تَكسر وتسكن من تشاء بغير ضوضاء.

-إنها أشبه بحالة ضبط وإحضار لخيال المُتلقي رُغم تربصها بواقعه عن طريق إزاحة «شابيتر» أو أجزاء محددة منه عمدًا.

-تضعك في أفق المكارم ثم تهوى بك لدياجي الأسفلي.

هي شاب كذوب، فحين يصدق، تفقد الثقة في مصداقيته، فيؤكد لك ببرهان ضوئي يُغرقك في ظُلمة التيه ودوامة البلبلة وشرك المراوغة وشباك الحيرة وضبابية البين بين.

التواصل الافتراضي يجعل المرء كشمندورة طافية في البحر، تحسب أن الأسماك، الحيتان والبساريا أصدقاء لمجرد طوافهم بنفس اليم. فتنشر الشمندورة صورتها كونها تسعد بصورتها الجميلة.

الطريف أنها تنشر ثم تخشى حسد الحيتان.

لكن ثمة صور عِناق الرِفاق ساعة الفراق

والمهاجر الذي يشارك صوره للتواصل مع الأهل، عدا صور المُسن والمريض وهي بمثابة استدعاء للإاتمام، فهي تنبئك «أنا لازلت على قيد الحياة، فانظروا، فاسألوا، اهتمّوا، تواصلوا».

صور تنشر رغم يقين أصحابها أنها تُرى بمشاعر ضريرة.

الصورة تخدم الواقع بإعانتها للخيال كما تستخدم الخيال لخيانة الواقع..

لذا فلتعتن بصورتك، لأنها ستعيش أكثر منك.

بالأمس قالوا «الإنسان سُمعة».

أما اليوم فالإنسان صورة، فالبقاء للصورة.

copy short url   نسخ
24/12/2022
45