+ A
A -

الإنجازات التي ترفع من قيمة الإنسان هي التي تحلم بها الشعوب على مدار التاريخ وعلى امتداد الجغرافيا، في كل زمان ومكان، فالطموح تنطلق منه الحياة نحو آفاق أرحب، والعمل الناجح يكون على أسس وقيم وقواعد تحكمها الكفاءة وتحركها الإرادة وتنشطها الهمم، وتشيد بها الأمم.

والدولة التي تعتز بثقافتها وتحافظ على هويتها وتكافح من أجل ترسيخ صورة حضارية وموروث أصيل ومبادئ إنسانية تضع نفسها على سلم التميز في الخريطة الدولية.

نسوق هذه المقدمة مع إسدال الستار على الحدث الأكبر في تاريخ المنطقة بكل ما فيه من قصص ومواقف ونجاحات وإنجازات وانتصارات ستبقى حديثا يطول ويمتد من جيل إلى جيل، ودروسا وعبرا تستحق أن توثق وتستفيد منها الدول والجامعات والمنظمات لعظم ما تحقق من مكاسب ستزيد من رفعة الأمة وتصب في صالحها وتعدل من صورتها النمطية لدى عالم منكفئ على نفسه معتقداً أن التفوق خاص به والتميز حكر عليه منتقصاً من جهود الآخرين وطموحاتهم بدافع الغرور والتعالي.

قطر الصغيرة في مساحتها أعطت العالم درسا أن الكبير يكون بمواقفه ومبادئه وعمله، والصغير هو من يتآمر ويتذمر ويسعى لإثارة البلبلة، حتى وإن كان يعيش في برج عاجي أو في امبراطورية لا تغيب عنها الشمس!

واليوم -ولله الحمد- وقد وصلنا لختام المشوار الحافل بالكفاح والمتوج بالنجاح تعجز الكلمات والعبارات وقواميس اللغات أن تجد ما يفي أو يكفي لتقديم الشكر لكل من ساهم وسهر حتى ألبسنا تاج الفخر.

البطل الحقيقي للمونديال هي قطر.. الدولة وليس فريق الكرة.. فما قدمته للعالم والبطولة والفيفا والجماهير والأمتين العربية والإسلامية وللوطن والمواطنين والمقيمين الشيء الكثير والمثير والذي يصعب حصره أو اختزاله في هذه السطور.

من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ورسائل الثناء والإشادة يستحقها الكثير من أبناء الوطن ومؤسساته وكل من عمل بجد واجتهاد في هذا الحدث منذ تشكلت فكرته الأولى وحتى نهايته السعيدة.

فإذا تحدثنا عن البدايات الأولى عندما كانت الفكرة مثل «الحلم» والوصول لها أشبه بـ «معجزة» والتفكير فيها مقلق ومرهق.. وكأن الطريق المؤدي إليها «مغلق».. نستذكر بكل عبارات الشكر وقصائد الفخر أميرنا الوالد الذي لا يوجد المستحيل في قاموسه ولم تعرف الدول قائدا بقوة بأسه، فهو إذا قال طال، وإن بدا الشيء بعيد المنال، طموحاته لا حدود لها، فانقادت له الأسياد وتبعها المونديال.

الأمور الكبيرة عنده صغيرة، يواجه ويجابه بعز ومهابة، وبالصبر والعزم والإرادة يحقق مراده مستنداً على شغف يلهمه وشعب يحبه، وتاريخ حافل ينير دربه.. على خطى المؤسس يستذكر مواقفه وأخباره ويسترجع مبادئه وأشعاره:

صبرنا لها ما زعزع الدهر عزمنا..

‏ونلنا بها العليا على كل طايل

وما كان لكل هذا النجاح أن يتحقق لولا أن تنفيذ هذا الملف الضخم وترجمته على أرض الواقع في زمن قياسي حظي بإدارة قائد المسيرة أميرنا المفدى الذي اقترن اسمه بالمجد، مرادفاً للنجاح ومعروفاً بالإنجاز، فهو من أكمل المسير وهو من بشرنا بـ «العز والخير».

الناس شهود الله في الأرض، ونحن نشهد بأنه الحاكم العادل والمنجز، والكلمات في حقه تعجز، فهو من وقف على المفاصل والتفاصيل، وحقق لنا هذا الحلم الجميل، ووضع بلاده في مكان ومكانة ليس لهما مثيل.

صاحب السمو أمير البلاد المفدى قاد بلاده بعزيمة وإصرار في المواجهات، وكسبنا معه كل التحديات، وشاهدنا بأعيننا على الأرض أفخم المنشآت، وأروع الإنجازات، حتى صارت قطر درة وقبلة للعالم من مختلف الدول والقارات.

وبحضوره المحفز في المباريات ودعمه وتشجيعه حظي المونديال بزخم كبير، فهو الأمير وهو الرياضي والعربي الأصيل، وبوجوده تحولت الصعوبات إلى تساهيل.

إذا تحدثنا عن الإبداع وسرعة الإنجاز ودقة التفاصيل، وكل ما هو جميل، في هذا المشوار الحافل، فالحديث هنا عن سمو الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الذي يعمل بصمت وهدوء وبعيداً عن الأضواء، لكن لمساته وبصماته تملأ الفضاء، وتصل عنان السماء،

فـ «أبو فهد» لا يضع يده في أي موضوع أو مشروع إلا ويكون الإبهار النتيجة الحتمية في نهاية المشوار.

ومن أبرز ما ميّز هذه البطولة أنها جاءت خالية من الشغب، بل إنها الأكثر أماناً في تاريخ بطولات كأس العالم في حالة نادرة الحدوث، وهنا لابد من توجيه الشكر والتقدير والعرفان لكل العيون الساهرة ولكل الفرق الأمنية في البطولة.

ونستذكر ما قاله العضو المنتدب للجنة المشاريع والإرث وفارس الآسياد والتصويت، قبل 12 عاما بأن الانتقادات على قطر لن تتوقف حتى صافرة النهاية، وأرصد بكل إعجاب ما قاله بعد ختام المونديال: نحن لا ننتظر موافقة من أحد على طموحاتنا.

ليس القصد توجيه المدح والثناء للقيادة والرموز وإن كانوا يستحقونه.. لأنهم أولاً لا يحتاجونه، وثانياً أعلم أنهم لا يرغبون به، فهم عودونا على الأفعال والإنجازات ولا ينتظرون الأقوال أو الإشادات، ولكن أردت التركيز على نقطة في غاية الأهمية وهي أن القيادات في معظم الدول تكتفي بالجلوس في أبراج عاجية وتصدر التوجيهات «عن بعد» وعبر مناديب ومراسلين، لكن في قطر حالة خاصة متفردة.. فهي من تقود العمل الميداني وهي القدوة للشباب في العطاء للوطن والإخلاص والتفاني.

مجلس الوزراء والفريق الحكومي ومؤسسات الدولة ووزاراتها واللجنة الأولمبية والمشاريع والإرث وشبابها المخلصون واتحاد كرة القدم ولجانه ووسائل الإعلام والجماهير والمتطوعون وغيرهم.. ربطوا الليل بالنهار بلا كلل ولا ملل، وواجهوا الصعوبات وتصدوا للحملات، وترجموا الخطط بدقة متناهية حتى أضحت البلاد بشمالها وجنوبها ومن شرقها إلى غربها تتلألأ بالأفكار الملهمة، وتتزين بالمنشآت الفخمة والمرافق المهمة، وأصبحت وجهة مغرية ومقصدا للسياح والزوار من مختلف الدول والأقطار.

آخر نقطة..

الوطن تصل اليوم لنقطة الختام بعد مشوار 12 عاما، سعادتنا لا توصف بما تحقق من نجاحات على كافة المستويات ومنها القطاع الإعلامي الذي نتشرف بالعمل فيه.. لأن بلادنا هي الفائز الأكبر بتنظيم هذا الحدث وعمت فوائده المنطقة برمتها والأمة بأكملها.. فهذا إرث مستدام يخدم الأجيال القادمة، ويحقق الطموحات وهو الأهم.. ويرفع هاماتنا بين الأمم..

الوطن هو مكسبنا وكفاءاته هي ذخرنا.. وقياداته عزنا وفخرنا.

محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
22/12/2022
600