+ A
A -

فشل الإعلام الغربي، الذي تبنى الحملة المغرضة ضد قطر، منذ أن فازت بشرف استضافة نهائيات «كأس العالم FIFA قطر 2022»، فشلاً ذريعاً في التأثير على النجاح المدوي للبطولات، بعد أن عايش مئات الآلاف من المشجعين الذين حضروا النهائيات، واحدة من أنجح المناسبات في التاريخ.. وعادوا إلى أوطانهم محملين بأطيب الذكريات وأجمل الانطباعات عن التنظيم وحرارة الاستقبال، وروعة الفعاليات، وأصالة التقاليد والعادات، فاضطر صاغرا إلى الاعتراف بالحقائق أو بعضها، حتى يبعد عن نفسه شبهة التحامل وترويج الأكاذيب، لكنه بقي على نهجه في محاولة التقاط أي شيء من شأنه الإساءة إلى قطر، وكان آخر ما تداوله بجهل مخجل سقط خلاله في الوحل عندما حاول بائساً يائساً أن ينتقد دون معرفة لقطات تكريم قائد المنتخب الأرجنتيني ليونيل ميسي بـ«البشت» القطري، تقديرا له.

«البشت» هو جزء من ثقافة عربية عريقة ومتأصلة، يتم ارتداؤه في المناسبات الكبيرة مثل الأعراس أو الاحتفالات، وهو دلالة على الهيبة والمكانة والسمعة، وقد اختارته قطر وغيرها من الدول لباسا مميزا لاحتفالات تخريج طلابها في الجامعات بتوشيحهم بالبشت، تقديرا للعلم ومكانته وأهميته، وعندما ارتداه ميسي كانت لفتة في غاية التقدير والكرم لسجل هذا اللاعب الفذ وتاريخه الكروي الرائع، ولقطة معبرة مستمدة من الثقافة العربية الأصيلة حتى يعبّر هذا المونديال عن أهله، وهو الأمر الذي لقي صدى إيجابيا كبيرا من الشعب الأرجنتيني بأسره، ومن بين هؤلاء المشجعين الذين تواجدوا في قطر، وتوافدوا في اليوم التالي لاختتام البطولة إلى «سوق واقف» للحصول على هذا «الزي الرفيع» والاحتفاظ به ذكرى للأيام الرائعة التي أمضوها في قطر، وكذلك لقيت اللقطة صدى عالميا في الإعلام المنصف المتجرد من الغرور والكبر والتعالي، كما هو حال بعض الوسائل المريضة نفسيا من هذا التفوق العربي، وقد أعرب المنتخب الأرجنتيني عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عن تقديره وفخره بهذا التكريم، ونشر صورة لنجمه الكبير ميسي أثناء قيام صاحب السمو بإهدائه «البشت» على منصة التتويج، وكتب تعليقا على الصورة «بالتأكيد ملك» دلالة على المكانة الرفيعة لهذا الرمز العربي الأصيل.

صحيفة «الاندبندنت» البريطانية كتبت تقول إن «إعطاء ميسي الزي التقليدي لرفع كأس العالم لفتة تكريمية من قبل قطر»، في حين أوضح أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة Exeter الدكتور Mustafa Baig أن البشت هو عباءة رسمية يرتديها أفراد العائلات المالكة والشخصيات المرموقة والعرسان في يوم الزفاف والخريجون في حفلات التخرج، وبالتالي، فإن قلة مختارة من الناس هي التي ترتدي البشت، ووضعه على كتفي ميسي هو تكريم له من قبلهم، ولفتة ترحيب به وتقبل ثقافي له، وهي أيضا لفتة تعبر عن احتضان الثقافة المحلية لميسي، معتبرا أنها لفتة جميلة من قطر وكذلك فكرة ذكية من قبلهم.

ميسي كان سعيدا بهذا التكريم، والمنتخب الأرجنتيني أبدى تقديره وفخره، والجمهور الأرجنتيني شعر بالغبطة والسرور، ما الذي أغضب صحيفة تصدر في لندن أو باريس إذا، حتى تعبر عن سخطها واستيائها؟.

المنتقدون تسرعوا، فأضافوا الجهل إلى الحقد، وعندما تصدى المنصفون لشرح أبعاد ومعاني هذا التكريم كانوا في وضع مزر وكان عليهم الانتقال من موقع الانتقاد إلى سرد الحقائق على استحياء.

كل الذين حضروا أو شاهدوا المونديال وفعالياته في قطر خرجوا بانطباعات غاية في الإيجابية، ومن بين هؤلاء الكاتب البريطاني تشارلز بروكس، وهو عالم اجتماع وكاتب صحفي مهتم بالرياضة في بريطانيا، والذي وصف في مقال نشرته صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية، تنظيم قطر لكأس العالم بـ«المبهر والدقيق»، رغم الكثير من الحملات الإعلامية التي سبقت البطولة ورافقت بدايتها، مشيرا إلى أنه لا يسع الجميع في النهاية إلا أن يرفع القبعة تحية لجهود قطر في تنظيم البطولة، ومما قاله: «إنه عند المقارنة بين ما فعلته قطر في تنظيم كأس العالم وبين تنظيم بريطانيا لنهائي كأس أوروبا يورو 2020، والذي شهد أعمال شغب، يمكن لكل واحد أن يسأل نفسه: أين يفضل أن يصطحب ابنته ذات الـ10 سنوات؟».

ليضيف: «ربما ينبغي أن نطلب المشورة من قطر حول كيفية إدارة الأحداث الرياضية الكبرى»، داعيا إلى مقارنة مونديال قطر بالفوضى التي تغذيها المخدرات عندما استضافت بريطانيا «نهائي اليورو».

لقد حاولت بعض وسائل الإعلام الغربية وبعض الرسميين الأوروبيين الاستفراد بقطر منذ لحظة فوزها بالاستضافة عبر حملة شعواء استخدمت فيها كل الأسلحة والأدوات، ولم تكن الحملة موجهة ضد قطر وحدها وإنما ضد منطقة وثقافة، صحيح أن الدول العربية والمنظمات الإقليمية والإسلامية أبدت دعمها لقطر واستنكرت الحملة المشبوهة والمضللة ضدها، لكن ذلك لم يخرج عن بيانات لم يكن لها الكثير من التأثير، وكنت أتمنى لو كانت دولنا في حالة من الوحدة والاندماج في التصدي لكل ما يمس الدين والأخلاق والهوية والثقافة، حتى يعلم من يحيك المؤامرات وينتقص من الآخرين أن كلامه مردود عليه بالقول والعمل والإجراءات الموحدة للحفاظ على مجتمعاتنا من الاختراق، ذلك أن المستهدف في نهاية الأمر العرب جميعا بتاريخهم وثقافتهم وكل تطلعاتهم، ولو تم التعبير عن موقف قوي منذ البداية ربما ما رأينا هذه الحملة تستمر وكل هذا التمادي، وهو درس للمستقبل يجب التوقف عنده مليّا.

القضية الأخرى التي أود الإشارة إليها والحديث عنها هي موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، وقد كان لرئيس الاتحاد السيد جياني إنفانتينو مواقف واضحة وحاسمة، وما زلنا نذكر صراحته في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل انطلاق المونديال بساعات وتناول فيه المنتقدين، لكن ذلك لا يكفي وحده، إذ أن ما تعرضت له قطر يحتاج إلى مراجعات من قبل «فيفا» تضع حدودا واضحة لما يجوز وما لا يجوز، لما يمكن الترويج له وما لا يمكن، حتى لا تتحول الأمور إلى فوضى خلاقة، وحتى لا يتم استغلال هذه المناسبة لإدخال قضايا لا علاقة لها بالرياضة وكرة القدم، كما حدث في مسألة السلوكيات الخاطئة والشعارات الملونة، التي تم تبنيها على مستوى عدد من الرياضيين والرسميين من دول الاتحاد الأوروبي، وإذا تم التراخي في هذه القضية فإنها ستفتح الباب على مصراعيه لتحويل بطولات كأس العالم إلى ساحة للخلافات والتناحر والزج بالكثير من الأفكار والقضايا، وهي التي قامت لجمع البشر بعيدا عن أي قضية خلافية.

المراجعة المطلوبة يجب أن تتم سريعا، وأدعو الفيفا لجمع أطراف اللعبة للدخول في «حوار معمّق» بحيث يتم وضع ضوابط واضحة وأسس راسخة لهذه البطولة تبعد عنها القضايا المثيرة للجدل ورأب الصدع قبل أن يتحول لصداع وصراع يخرج عن السيطرة، والخروج بوثيقة ملزمة عبارة عن خريطة طريق واضحة تجنب الجميع الانزلاق والانحراف والشذوذ عن مقاصد اللعبة ومراميها، مع ضرورة التعامل مع أي تجاوز بـ«عصا غليظة» اسمها القانون. لحماية اللعبة وجماهيرها.

للرياضة هدف سام هو تلاقي الثقافات والحضارات، وفتح الآفاق والحوارات والتلاقي الإنساني، ولابد من قطع الطريق على من يحاول استخدامها لتمرير الأجندات المشبوهة وما يختلف عليه البشر لأن ذلك عمل سيئ هدفه النيل منها وحرفها عن المسار ومحاولة الهيمنة عليها وتسخيرها لخدمة أهداف أخرى، ونعتقد أنه بمقدور «فيفا» الدخول في مثل هذه المراجعة والخروج بالقرارات المناسبة، فنحن لا نتمنى أن يتكرر ما حدث مع قطر منذ إعلان استضافتها وحتى صافرة النهاية مع أي دولة أخرى، وحتى لا تتجرأ أي جهة، رسمية أو غيرها، على محاولة العبث بالرياضة واستغلالها لمصالح مضرة.

والحمد لله أن بلادنا واجهت وجابهت كل الحملات والسلوكيات ونجحت في فرض النجاح باكتساح، فأصبح كل ما يقال طحينا سفته الرياح.. وهذا هو مكسب قطر الحقيقي في المونديال والخدمة التي تشرفت بتقديمها للأمة، بالحفاظ على الهوية الأخلاقية وتغيير الصورة النمطية حول المنطقة.

محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
21/12/2022
675