رغبتنا إلى الصداقة والحب انبثقت إلى الوجود في اللحظة التي وطئت أقدامنا على الأرض. من أول يوم لنا في هذه الحياة وبكاؤنا يعبر عن حاجتنا لمن يرعانا ويحيطنا بالدفء والحنان. فما قيمة الحياة إذا لم يكن إلى جانبنا من نشاركهم الحياة.
نلج إلى العالم صغاراً نحتاج إلى الرعاية، ثم نكبر ونحن نبحث بشغف شديد عن الأصدقاء ومن نؤسس معهم تلك العائلة التي لطالما حلمنا بها. وحتى لو لم نحظَ بأسرة فإن الشريك بحد ذاته حلم يتجسد باقتراننا بكيان آخر نتوحد معه في بوتقة واحدة، ونقضي بقربه العمر كله كما نأمل.
أحلامنا وردية، وشغفنا بالحب أصيل، لكن الحياة ليست بلون واحد؛ فهناك أطياف الألوان جميعها، فلا أبيض وأسود فحسب، وإنما تدرجات ألوان متباينة. في كل إنسان بذور شر وبذور خير وأضداد مجتمعة في كيان واحد. لهذا فإن احتمالية ارتكابنا للأخطاء عالية، ولا بد أن نقع يوماً في مخالب من لا يستحقون صداقتنا أو محبتنا.
كما أن هناك الصديق الوفي والحبيب المخلص، هناك عشرات الرفاق المخادعين الذين لا هم لهم سوى خداع الآخرين للوصول إلى مآربهم الشخصية، ومئات العشاق المحتالين الذين يبيعون الحب مقابل المال ويخونون عند أول بارقة تحدّ للحب تعلن قدومها.
بعضنا يستمر في علاقات فاشلة دون أن يصحو، فيتنقل من تجربة سيئة إلى أخرى ليقع في مصيدة الخداع بدل المرة عشرات المرات دون أن يتعلم شيئاً. وآخرون حريصون لأبعد الحدود على اختيار أصدقائهم وأحبتهم، لذا فاحتمالية أن يختاروا أشخاص غير مناسبين قليلة للغاية رغم أنها ليست معدومة.
أن تغرق في قاع علاقات غير صحية دون أن تستطيع النهوض أمر، وأن تغوص قليلاً فتتدارك نفسك وتصحو من غفلتك لتضع نقطة نهاية لأي علاقة مؤذية أمر آخر. إن الإنسان ينمو ويكبر من خلال علاقاته، والعكس صحيح. إذا رافقت أشخاصاً سعداء ناجحين فستكون مثلهم، وإذا كنت صديقاً لمحترفي الشكوى والجلوس في المقاهي ساعات طويلة كل يوم دون فعل شيء مفيد فلن تحقق شيئاً يُذكر في حياتك.
لهذا كان من الواجب أن يولي الإنسان علاقاته الاجتماعية والمهنية جلّ اهتمامه. يقول المثل: «قل لي من تصاحب أقل لك من أنت». وكذلك أقول: «قُل لي من سلمته مفاتيح قلبك أقل لك من أنت». إن الإنسان على شاكلة من يصادقه ويحبه.
بعض العلاقات ترفعك إلى السماء وتصنع منك إنساناً متميزاً، وأخرى تحط من قدرك وتعيق تقدمك في هذه الحياة. من هنا فإن إنهاء العلاقات السلبية واجب لا مفر منه لكل من أراد النجاح والسعادة.
عندما تصل العلاقة إلى حد يستوجب وضع حد أخير، وتضع بالفعل نقطة نهاية عندها؛ فمن آذاك يكون هو من ناولك المقص الذي قطعت به كل جسور التواصل. الذنب ليس ذنبك، بل ذنب من أخطأ بحقك مراراً وتكراراً دون أن يحاول إصلاح شيء، ويفي بوعوده، ويصدق القول والفعل.
إن كل الذين قطعت علاقتك بهم، هم الذين ناولوك المقص بطريقة أو بأخرى، شرط ألا تكون الطرف المخادع الغادر. فشتان ما بين شخص يقطع علاقته بمن لا يستحق صداقته أو محبته، وبين آخر يتذرع بالحجج الواهية لقطع جسور المحبة بينه وبين من أخلص إليه في الصداقة أو الحب.
المقص موجود دائماً وأبداً في أي علاقة صداقة أو حب. فإذا أساء طرف إلى الآخر بشكل متواصل ولم يصلح ما فعله، فقام الطرف المقابل بقطع العلاقة؛ يكون المسيء هو الذي أعطى من غادر مقص النهاية بشكل أو بآخر.
