+ A
A -

لا يمكن الحديث عن دولة فاسدة أو مجتمع فاسد دون الحديث عن فساد المؤسسة القضائية والعكس صحيح لأنّ سلامة المرفق القضائي هي الشرط الأساسي لصلاح المجتمع والدولة «فالعدل أساس العمران» كما صرّح صاحب المقدمة و«الظلم مؤذن بخراب العمران». بناء عليه فإنّ ضمان المساواة بين المتقاضين أمام سلطة قضائية مستقلة ونزيهة يمثل اللبنة الأولى لبناء مجتمع العدل القادر على تحقيق التنمية البشرية التي هي ركيزة كل أشكال التنمية الأخرى. لكن المجتمعات العربية باستثناءات قليلة جدا تعاني من تغوّل السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية وهو ما يبدو جليا في الجمهوريات العسكرية بشكل خاص. هذه الهيمنة على السلطة القضائية تكون ضرورية في حالات الانقلابات والتمهيد للأنظمة الشمولية التي لا تبني وطنا ولا تحفظ كرامة ولا تصون سيادة.ليست معركة استقلالية القضاء مسألة حقوقية ولا قانونية بل هي مسألة حضارية مرتبطة بطبيعة المجتمعات ووعي أفرادها وخصائص القيم التي تتأسس عليها. ففي حال المجتمعات العربية لا تزال مسألة الانتقال الحضاري من طور التبعية والخروج من الهينة الخارجية ووكلاء الداخل مطروحة بقوّة بعد فشل كل محاولات النهضة والتغيير خاصة في الحواضر العربية الكبرى. هذا الفشل الذريع لا ينفصل عن فشل التحوّل السياسي والانتقال من أنظمة الحكم العسكرية إلى أنظمة العدالة المدنية ودولة القانون والمؤسسات، وهو الفشل الذي نجم عن عجز النخب الوطنية بكل أصنافها ومراتبها عن مواكبة التحوّل نحو نظام فصل السلطات الذي هو الضامن الوحيد للتنمية والتطوّر. تطرح هذه المعضلة مسألة الإصلاح السياسي واتجاه هذا الإصلاح من الأعلى أم من الأسفل أي أنّ المنتظَر من استقلالية القضاء هو ضمان العدالة الاجتماعية وإصلاح المجتمع. لكن عدم قدرة هذا المجتمع نخبا وشعبا على إحداث هذا الإصلاح أو المحافظة عليه يعيد المسألة إلى نقطة البداية. يبدو أن أمّ المعارك إنما تتعلق بإعادة بناء الإنسان تعليما وثقافة وتربية لتكوين أجيال قادرة على خوض معركة الاستقلال الحقيقي الذي تكون دعامتُه المركزية استقلالَ القضاء وضمان الحقوق ومحاربة الاستبداد.

copy short url   نسخ
09/06/2022
0