+ A
A -

العالم الآخر هنا هو كل شركاء القرية الكونية، خارج منظومة الغرب، فهو الوصف التقريبي لحالة التعامل التاريخية بين المركز الغربي وبين بقية العالم، وبروز هذا التصنيف دون أن تعلنه الحملة الغربية الأخيرة على مونديال قطر، وتحديداً موقف المسلمين وشركائهم في الإنسانية من رفض فرض شعارات المثلية، هو دلالة على أن الخلل في أصل التفاوت المزعوم والمفروض، من الغرب على بقية الأمم.

ولذلك نتساءل عن مبررات الإلزام بمعاييره، التي تخلق من السلوكيات الناشئة في حضارته، قيماً عالمية لم ننتخبها في عالم الجنوب، ونحن نملك دلالة قوية نظرياً وتجريبياً على مبررات رفضها، وهو ما نعرض بعضه هنا لمن يرغب بالفعل في فهم معادلة عادلة للحوار.

وأشير هنا إلى أن فكرة تفجير الجنسانية في ذات الفرد، لا تقف عند هذا الحد، لأنها تعتمد في تعريفها على أن كتلة الذات الإنسانية، لا روح لها، وخلافاً لما يزعمه البعض في إنسانية الفكرة، فهي إنسانوية شرسة، لا رحمة فيها، إذ أن المرجع الأخلاقي للألم، هو آلام الروح والشعور غير محسوس باللمس، وليس له جسم مادي، في حين معادلة الحداثة هي المادة فقط، وهي مرجع هذه النزعة الفكرية، وتشريعاتها القهرية على العالم.

وهنا نلحظ الفرق الكبير بين نظريتهم، ومن ينشأ عنده أو يولد بتغير هرموني أو جيني، كأقلية في تاريخ التخلق الفطري، لا تثريب عليها، ولا محاسبة، وإنما تحتاج لمراعاة وبرنامج معالجة أو احتواء ظروفه، ولكن رعاة المثلية القهرية لا يقرون بهذه الحالات كحالات استثنائية، وترفض فلسفتهم الاعتراف بأن الوجود البشري، ولد في ذكر أو أنثى.

ولذلك لا تقّر نظريتهم بمساحات الطب ولا علم النفس، ولا تاريخ العلوم، في تعريف هوية الأسرة، ولكنها تبرز بكل قوة ما تسلل إلى الطب النفسي، ومعاهد العلوم، المنحازة أصلاً لهذه الفكرة المزعومة، وهي أن المولود يولد على غير هوية جنسانية، وهو من يحددها، وأن تثبيت الذكورة والأنوثة، هو نتاج تراث تاريخي، لا حقيقة علمية له، أي أن التراث وثقافة الشعوب هي من حدد معالم الأنوثة والذكورة، ولا يوجد لديهم تفسير عقلي مطلقاً لهذا التخلق.

وفي وقت يُصدم الإنسان من تصدير هذه النظريات، التي لا يمكن أن تتطابق مع تاريخ نشأة الأرض، ولا تاريخ الإنسان البيولوجي، فهو لا يتعامل معها كنظرية، بل أضحت مفروضة عليه، وهي تخدم سوقاً رأسمالياً متوحشاً، يستثمر في اللوغو الإعلامي الذي أضحى تجارة مادية وسياسية، وترويج صيدلية الهرمونات، وفي جراحة إزالة الأعضاء وتركيبها، للفتيان والفتيات ضد أنوثتهم أو ذكورتهم.

ويتضح لك هنا أن هذا لا علاقة له، باحترام الشخص الذي يولد في حالات خاصة، وعدم اضطهاده، كما ذكرنا، إنما في حمل الناس من ذوي التخلق الفطري الطبيعي، وهم مليارات البشر، من كل الأديان، على فتح الباب عليهم وعلى أطفالهم، وهدم قناعات الأسرة الأساسية.

بقي أن أقول أمراً مهماً، وهو متعلق بالتركيز على الأطفال وخطورته.

وهو أن المادوية الجنسانية، لا سقف أخلاقي لها، ولذلك تحوم حول الطفولة، وبالتالي فهي قد تتوجه في أي لحظة، إلى تشجيع ممارسة المثلية على الأطفال وبينهم، ثم إلى العلاقة السادية مع الأطفال ومشروعيته، وهذا في الأصل هو مذهب نبي الجنسانية الحديثة، ميشيل فوكو، وأحد أهم مصادر التطوير للمثلية القهرية، وهو ممارسة السادية مع الأطفال كحق فردي مطلق لحرية الذات.

وهذا يعني أنك قد تصل إلى مرحلة، تُرفع فيها شعارات ألوان المثلية، ومعها صورة طفل كإشارة جنسية خبيثة، ويُبدأ بتعميمها على المعمورة، وهنا شعار الحملة الدعائية للماركة التي استفزت المشاهير، بسبب ترويجها للسادية ضد الأطفال، لها جذور مباشرة برحلة المثلية، وقهر الناس على شعاراتها.

فالأمر يخضع لنفس قواعد القياس التي نواجهها، لأن رفع صور جريمة ممارسة المثلية بين الأطفال، سيأتي وقت تُعتبر فيه من حرية الرأي والتعبير، بعد أن تنجح الرأسمالية المتوحشة في فرض الحالة المثلية العامة على العالم، رغم رفضها في العالم الجنوبي بكل أديانه، وليس المسلم وحسب، كما هو عالم المسيحيين الشرقي، ومساحة ليست قليلة من أنصار الأسرة في الغرب، ومع ذلك يُفرض عليك نشر صورهم في زوايا المونديال أو أي مناسبة مشتركة بين الأمم.

فمن الذي يقمع الحقيقة ويرفض شراكة الأمم، ويهدد الحرية الإنسانية وصفاء الطفولة، بل مستقبل الوجود والتعايش؟

مهنا الحبيل باحث عربي مستقل رئيس المركز الكندي للاستشارات الفكرية

copy short url   نسخ
11/12/2022
210