+ A
A -

كلنا على علم بأن الولايات المتحدة الأميركية أعدت خطة للقضاء على التضخم تقضي برفع الفائدة على الودائع ست مرات هذا العام، وأدخلتها حيز التنفيذ، فتم الرفع الأول في مارس والرفع الثاني في مايو، والرفع الثالث يترقبه العالم هذا الشهر، ومع ذلك لم تظهر في الأفق بوادر ما تنبئ أو تبشر بنجاح هذه الخطة، فالتضخم لا يزال موجودا، بل ويتمدد وتعلو نسبته يوما تلو الآخر، باعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه الذي أعلن يوم الجمعة الماضي أن حكومته فقدت السيطرة على الأسعار، وما تشهده أميركا في هذا الصدد تعيشه دول الاتحاد الأوروبي، ومعهما بقية الدول التي حذت حذو أميركا أو نسجت على منوالها حرفيا، وهي بالمناسبة دول كثيرة حول العالم، وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن رفع الفوائد ليس العامل الحاسم في القضاء على التضخم، وليس أيضا ما يقدم من وصفات من قبل صندوق النقد الدولي أو غيره من المنظمات التي دأبت على تقديم النصائح والحلول للأزمات الاقتصادية.إذن فماذا نحن فاعلون كدول عربية نتأثر مباشرة بما يدور في أميركا وأوروبا وكجزء مهم من هذا العالم؟ هل نظل ننتظر تجربة أميركية أو أخرى أوروبية كي تنجح فنستنسخها لحل مشاكل التضخم لدينا، أم نأخذ زمام المبادرة ونتحلى بالشجاعة الاقتصادية، ونثبت للقاصي والداني أننا أيضا فاعلون وقادرون على مجابهة التحديات، ولنا رؤانا وتجاربنا الخاصة بنفس المستوى الذي نساهم به في الاقتصاد العالمي عبر ما ننتج من النفط والغاز؟.وعلى ذكر الإنتاج، فإن هذا اللفظ له وقع إيجابي يوحي بالتفاؤل ويزكي الحماس، وعمليا هو الحل السحري لأية مشكلة اقتصادية وفي مقدمتها بالدرجة الأولى مشكلة التضخم، ونحن في قطر نملك مفاتيح هذا الحل، نملك كل مقومات الإنتاج، على الأقل إنتاج السلع الاستراتيجية أو تلك التي نستوردها بفاتورة غالية عالية.فمعلوم أن قطر أكملت البنى التحتية والأساسية في كل القطاعات الآن، ولم يعد أمامها إلا خوض إنتاج ما تحتاج، بل وما يحتاج غيرها لتصدره لهم، لقد اكتملت البنية التحتية في بعض المجالات مثل المجال التكنولوجي والتحديث الرقمي، والتعليم والصحة، والرياضة والمواصلات والاتصالات والغاز.بقي علينا أن نبدأ الإنتاج ونتفرغ له، ونجتهد في خلق فرص العمل، وإزالة المعوقات أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، وتشجيع قيام شركات صناعية سريعة النمو، ونتخلص من أية خطوة روتينية تشكل عقبة كؤود في طريق الطامحين من أبناء قطر، ومن المستثمرين الأجانب الذين يولون وجوههم شطر قطر للاستثمار فيها، ولنأخذ الدروس من سنغافورة التي تجلب استثمارات لا تقل عن الخمسين مليار دولار في العام الواحد، مع أنها لا تملك أية موارد ولا مقومات اقتصادية غير مرفأ واحد، لكنها تقدمت في الإدارة تقدما كبيرا يقوم على منح تسهيلات وإعفاءات للمستثمرين.كلمة السر في تقدم الدول التي اصطلح على تسميتها بالنمور الأسيوية تتمثل في القضاء على الروتين، وفي إعطاء تسهيلات وإعفاءات للمستثمرين، مع ضمان حقوق هذه البلدان، لقد بلغت التسهيلات لديهم حدا أصبح المستثمر معه يستخرج ترخيص قيام منشأة صناعية «أون لاين»، فلم يعد في حاجة للذهاب إلى الشباك الواحد لاستخرج الترخيص، فالنافذة الواحدة أو الشباك الواحد أصبح عندهم موضة قديمة في الاستثمار تجاوزوها منذ أمد، بينما نحن في دولنا العربية لا نزال عاجزين حتى عن تطبيق سياسة الشباك الواحد الذي يذهب إليه المستثمر لاستخراج ترخيص مصنع أو مؤسسة إنتاجية فينجز من خلاله إجراءات الضرائب والكهرباء والماء والسلامة الإنشائية وغيرها من ترسانة أو قائمة المطالب والشروط الطويلة، دون أن يدور على كل هذه الجهات.مما يساعد ويشجع على تنفيذ خطط إنتاجية على وجه السرعة دون تأجيل أو تباطؤ ما نشهده هذه الأيام من زيادة في أسعار الطاقة، فهذه الزيادة يجب أن تمثل فرصة لنا ولبقية دول المنطقة لاستغلالها في تنويع مصادر الدخل، لضمان حقوق الأجيال القادمة في هذا المورد، لأن أسعاره متقلبة والطلب عليه دائما مرتبط بعوامل خارجية، ومن المؤكد أن جولة جو بايدن المزمع القيام بها في المنطقة عما قريب ستركز على ضرورة خفض أسعار النفط، وهذا موضوع آخر يمكن أن نتناوله في مقال قادم مستقل نتحدث خلاله عن ضرورة إيجاد آلية لتبقى أسعار الطاقة دائما عادلة، فمهما انخفضت يجب أن تبقى على نفس مستويات الإنفاق.

copy short url   نسخ
08/06/2022
130