+ A
A -
تستضيف إسطنبول يوم الغد 15 نيسان ابريل، قمة منظمة التعاون الإسلامي، وتتسلم رئاسة المنظمة لفترة جديدة، فهل هناك ما تستطيع أن تفعله أنقرة لبعث حياة هذه المنظمة؟

فقضية جمود عمل المنظمة وفقدان فاعليتها مرتبط بالدول القيادية وليس بهيكلها الإداري، وإن كان لفاعلية الأمين العام ومجمل هيئتها دورٌ في حيويتها، وقد نجح كمال الدين إحسان أوغلو في تفعيل حضورها سابقا، مستثمرا تجربة تركيا وحزب العدالة الذي كان ينتمي اليه. لكن المنظمة لا تزال مفقودة الحضور، أو فاقدة للتأثير في غالب القضايا، وتولي تركيا الرئاسة قد يساعد على خلق حلف ينتهج مشاريع عملية بإدارة تكنوقراط عملية، تحقق آلية فض النزاعات المتعددة، التي يعيشها المشرق الإسلامي.

والعالم الإسلامي هو أكثر مناطق العالم تعرضا للكوارث السياسية والطبيعية، ويعاني ضعفا فنيا في طريقة تمويل المحتاجين، وغياب التنمية الادارية لتحقيق توازن يخدم شعوبها، ولن تستطيع أي إدارة ورئاسة للمنظمة الدخول في قضايا كل دولة، ومعالجتها بالطبع. لكننا نقصد تحقيق الممكن من مشاريع نوعية تستطيع أن تطلقها الرئاسة التركية، تتعزز عبر تحالف نوعي مع السعودية بعد تطور العلاقات إيجابيا، ومع الشريك الحيوي القديم قطر، وماليزيا والمغرب، ودول أخرى ممكن أن تُسهم في توزع هذا الجهد وهنا مقترحات لهذه المسارات:

1 - كسر الانفصال العميق بين المجتمع المسلم وشعوبه والمنظمة، عبر مسار يحرك هذه العلاقات ويدمجها، في مواقف مشتركة، تساعد على حل أزمة أو تحقيق مصالحة أو تنمية قدرات اجتماعية، لتطوير حال الشعوب والتخفيف من معاناتها، بالمشاركة مع الدعم المادي المقدم، من الدول الإسلامية الممولة.

2 -تطوير هذا المفهوم، قد يمتد الى جسور مع زعماء جماعات دينية، وقومية في المشرق الإسلامي، تخفف من ذلك الاحتقان الشديد، بين الدولة والمجتمع، أو ترعى مشروعا سياسيا للمصالحة، كنموذج تغير موقف طالبان الأخير واستعداده لمصالحة، وتسميته للبعد الإسلامي لرعاية مفاوضات مع الحكومة الأفغانية، لوقف الحرب التي استنزفت الانسان والبنيان.

3 - من ذلك قضية أركان ومسلمي ماينمار، ووقف العنف والتطرف ضدهم والتضييق والحصار الحكومي، ومن ذلك الصراعات القومية الخطيرة في باكستان بين البشتون وقوميات أخرى، وهي مهام صعبة وربما لن يكفيها عام أو عامين، لكن توضع على جسر وتكسر التابوهات التي جعلتها، وكأنها قدراً على شعوب الشرق.

4 - وهناك مسار مهم جدا للغاية، وهو واقع الشرق المسلم أمام الأعاصير الطائفية الشرسة التي تعصف به، وتفجير جسور تاريخية بين الأقليات وبين الغالبيات في داخل المسلمين، وبين بعضهم وطوائف متعددة، ورغم أن هذا المسار من مسؤولية الشرق المسلم، وله تجربة تاريخية ملهمة فيه، إلا أنه عاجز عن تحقيق اختراق فيه، فيما تضررت دوله من الاستخدام السياسي له من الغرب وإيران.

والمشكلة مع إيران عميقة جراء اشتباكها مع دول عدة وما سببته من أزمات عبر مشروع تسييس التشيع، وان كان أي تواصل يخفف من هذا الاحتقان مع بعض عقلائها مطلوب جدا.

كما أن ربط العلاقة مع الشيعة في الشرق الإسلامي عرباً وعجماً بطهران، فاقم المشكلة وعقّدها، وهو خطأٌ كبير حين يُفرز الشيعة عن الشرق المسلم كمجتمع موحد، وحين تعزل منابر اعتدال مهمة فيهم، وهو ما يساعد خطط الغرب التقسيمية.

فالتطرف من الجانبين عزل شعوبا وجماعات ذات مصير وجودي مشترك في الشرق الإسلامي، ولا يُمكن أن يكون الصراع هو لغة التعامل بينهم، بل التعايش والتعاضد الوطني، الذي أقرته سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودعت اليه.

5- وهناك مشروع أمة واحدة وحضارة متواصلة، ونقصد به خلق جسر حواري وفكري وسياسي بين المسلمين في الغرب والمنظمة، عبر كونجرس يختارونه تعقد فيه المنظمة حلقات نقاش للوصول لمقترحات وخلاصات، عن تطوير التعامل الحضاري المتبادل مع الغرب، وعن أفكار تصنع جسورا ومبادرات يقدمها المسلمون الغربيون لأمتهم، من خلال تجاربهم الغزيرة.


وندرك تماما في ختام هذه المقالة العوائق الصعبة، وطبيعة التحفز الحكومي السياسي في دول الشرق، لكن تحقيق بعض الممكن، أفضل من ترك المنظمة لعجزها والاستمتاع بملاعنتها.



مهنا الحبيل
مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي
اسطنبول
copy short url   نسخ
14/04/2016
1123