+ A
A -
كنت في باريس مع إحدى الأسر التي تزور فرنسا لأول مرة في حياتها، بعد أن قضت عمراً طويلاً في العيش في الولايات المتحدة الأميركية، فكانت أول مهمة لي أثناء لقائي بهم في باريس أنني اقترحت عليهم ركوب الباص الأحمر، حتى يسهل علينا المهمة في زيارة أهم الأماكن الشيقة والبارزة في باريس، ومن خلال هذا الباص المخصص للزائرين والسياح، سيمكن لهم أن يتعرفوا على أهم معالم باريس بشكل جيد جداً، الطقس حينها كان أكثر من رائع، وكنت أنا أيضاً أشعر بالسعادة القصوى، وكما هي عادة الشباب قمت على الفور بتوثيق الرحلة عبر التصوير بـ «السناب شات»، وبينما كان الباص الأحمر يترجل بنا في شوارع عدة، ولازالت كاميرا الجوال تعمل بشجاعة، فجأة شهقت والباص يتوقف عند إشارة المرور بعد عدة أمتار عن برج آيفل الشهير، كانت الشهقة قد خرجت مفاجأة ومن دون حساب بسبب مشاهدتي لطفل لا يتعدى الستة أعوام وهو يتبرز عند شجرة ضخمة، شهقتي دفعت إحدى السيدات العربيات اللاتي كنا معنا في الباص الأحمر، لسؤالي عما حل بي، فأشرت للمرأة وأنا لا أزال في حالة من الذهول نحو الطفل ولم يكن قد فرغ من تبرزه، فصرخت احداهن بلغة عربية غير متقنة، لأعرف بعد ذلك أنها تعيش مع بقية أقربائها في بريطانيا، وقالت «صوري، وثقي هذا الحدث بالكاميرا، أنه بالتأكيد طفل عربي»، تحرك الباص والتفت نحوها وقلت «ولماذا يفترض أنه عربي؟ والطفل ذو بشرة بيضاء، وشعر أشقر داكن، ويبدو لي أنه طفل غجري»، فردت «لا يمكن أن يكون إلا عربياً، فهذه هي دائماً تصرفات العرب»، ويبدو أنها كانت تتوقع مني أن أوافقها الرأي، أو تتوقع أنني من الذين يطبلون لأي تصرف أجنبي، أو حتى مصروعة بكل ما يمت بصلة إلى الحضارة الأوروبية، وأنني أنتقص من عروبتي أو أحاول الفرار من هويتي العربية، بالنيل منها وتبديد الشتائم والتربص لكل ما هو عربي.
لم يمر الحدث أمامي مرور الكرام، لقد تحدثت معها طوال الطريق عن دهشتي من نظرة البعض الناقصة عن أنفسهم، عن رغبة الكثيرين في جلد الذات، والخوف من إظهار هويتهم أو الإعلان عنها، ولماذا يخاف الكثيرون من البوح عن الحب والانتماء لأوطانهم؟ لماذا يأتي الوطن دائماً في آخر اللستة؟ في آخر ردهات القلب؟ حتى أننا نقسوا عليه في عثراته، بل ويقوم البعض بتصيد أخطائه وكأننا لم نولد على أرضه، ولم نعش حياتنا بين حواف شطآنه وبين زواريب الحارات والمنازل المتسعة والضيقة، وكما قلت لها بأن علينا أن لا ننظر على أن الوطن يجب أن يكون كاملاً ومقدساً أو حتى مجرد خزانة تسلمنا الأموال لكي نستمر في حبه، فأردفت قائلة إلى أن العرب دائماً يضعون أنفسهم في مواقف سيئة ولا تجعل أحد منا يستطيع أن يفخر بعروبته علناً، ولكن إن لم نفخر بأصلنا ومرجعنا يا سيدتي فبماذا سنفتخر؟ هكذا جاء ردي وقد هلكني التعب من الحديث معها.

بقلم : سارة مطر
copy short url   نسخ
20/11/2016
3399