+ A
A -

أصبح منتخبنا الوطني هو مصدر الحزن الوحيد في كرنفال من البهجة والفرح تعيشه البلاد هذه الأيام، وتصدره لكل أرجاء العالم، من خلال مونديال تاريخي استثنائي في جودة التنظيم وفخامة المنشآت والحضور الجماهيري وتنوع الفعاليات وسهولة المواصلات.

ولا خلاف على أن العنابي أحبطنا بخروجه المبكر وبخسارتيه المتتاليتين، وبأدائه الباهت في ثلاثة أشواط من الأربعة التي لعبها حتى الآن، إذا استثنينا الشوط الثاني من لقاء السنغال، والذي دخل فيه في أجواء المباراة وسجل هدفه المونديالي الأول.. ولكن هذه الصحوة المتأخرة جاءت بعد أن طارت الطيور بأرزاقها!

وحتى نكون واقعيين ومنصفين، فإن المطلوب في هاتين المباراتين هو الأداء أكثر من النتيجة.. كنا ننتظر من منتخبنا أن يستثمر العامل القوي الذي يميزه عن غيره وهو اللعب على أرضه وبين جمهوره، لعلمنا بإمكانياتهم الفردية والجماعية، ولكن للأسف فقد حولوا هذه الميزة إلى عبء عليهم ودخلوا المباريات بضغط نفسي وهم المعتادون على اللعب أمام الجماهير في الداخل والخارج، وتم إشراكهم في مباريات وبطولات عبر برنامج إعداد طويل المدى، ولكن للأسف كل الجهود ضاعت سدى!

هذه هي كرة القدم.. العبرة بالنتائج والنهايات.. والجمهور والإعلام كان منطقيا وقنوعا، ولم يطالب بالتأهل أو الانتصارات، بل كانت مطالبته بأداء متوازن ومنافسة قوية، تحفظ شخصية بطل آسيا والبلد المضيف بمثل ما عملت الفرق الأخرى من نفس القارة والتي أبلت بلاء حسنا وقدمت صورة مشرقة.

وأعتقد من وجهة نظري أن تفريغ اللاعبين من دوري هذا الموسم لم يؤتِ ثماره ولم يكن القرار الأفضل لتجهيز العنابي للبطولة.

كما أن اللاعبين قصروا في تأدية المطلوب منهم داخل أرض الملعب وظهروا مرتبكين متوترين، فانعكس ذلك على تمريرات خاطئة وعجز في بناء هجمات سليمة، وبالتالي اهتزت شباكه خمس مرات في مباراتين تتويجاً للقاعدة الكروية: إذا لم تسجل فاستعد لاستقبال الأهداف!

كذلك المدرب الذي أمضى مع المنتخب فترة من الزمن عجز هو الآخر عن التعامل الفني والتكتيكي مع الخسارتين، ولم تنجح خططه أو تغييراته في إحداث فارق يحسب له.

مجموعة صعبة

في المقابل وفي خضم هذه الانتقادات ومن باب الإنصاف لابد من القول إنه ومنذ لحظة الكشف عن هوية فرق المجموعة في القرعة المونديالية ونحن نعلم بصعوبتها، بل إن هناك توقعات بصعوبة التأهل وليس استحالته بالنظر لإمكانيات الفرق وتصنيفاتها في الفيفا، وهذه معايير فنية لا يمكن أن نغفل عنها أو نتجاهلها.

فالعنابي الذي يشارك للمرة الأولى بكأس العالم تصنيفه 50 ومن الطبيعي أن يجد منافسة شرسة من فرق تتقدمه في سلم التقييم وتجد هذه البطولة فرصة العمر لتقديم كل ما لديها، لذلك طبيعي ألا يكون الطريق مفروشا بالورود!

لكن نؤكد ما ذكرناه سابقاً بأن ما كنا نتمناه ونتأمله هو الظهور المشرف.

وعموماً تاريخ كأس العالم حافل بخروج منتخبات كبرى من الدور الأول، بل بفشل فرق عريقة في الوصول للنهائيات، وهذه كرة القدم وعليك أن تتقبلها بحلاوتها ومرارتها.. بفرصها ومنغصاتها!

وهذا الجيل قدم نتائج مميزة للكرة القطرية لن تلغيها هذه المشاركة الباهتة في المونديال، رغم ما نتجرعه من مرارة وحسرة.

التحدي الأكبر

انتهت حظوظ العنابي رسمياً في هذه البطولة وبقيت له مباراة أخيرة مع هولندا مطالب فيها بترك بصمة إيجابية تمسح ولو قليلاً من الحزن الذي خيّم على الجماهير.

لكن في تصوري أن التحدي الأكبر مازال قائماً والفوز الأهم مازال في الملعب ومتاحا أمامنا جميعاً للظفر بكامل نقاطه، فهو الهدف الذي من أجله كافحنا وبسببه حوربنا.. عبر حملات ممنهجة بدوافع مريضة..

وأقصد بذلك إنجاح البطولة في الملاعب وفي جميع المرافق، فالدولة بجميع قطاعاتها تخوض أكبر اختبار لقدراتها، وإمكانيات شبابها، والتفوق والتميز سيصب في الصالح العام للبلاد على مختلف الأصعدة وسيحدث نقلة نوعية على صعيد السمعة والسياسة والاقتصاد والاستثمار والسياحة وغيرها.

فهذه النسخة لكل العرب وللشرق الأوسط، ووجودها هنا حدث تاريخي من الصعب تكراره بسبب النظرة الغربية المتعالية على هذه المنطقة واعتبارها لا تستحق أن تنظم مثل هذه الفعاليات، فنحن في تحدٍ كبير لتغيير الصورة النمطية وإثبات أن ما نقدمه هو ما يصعب عليهم مجرد الحديث عنه وليس تطبيقه!

وفي الملعب نحن لم نودع البطولة بعد، فمازال لدينا سبعة منتخبات من الواجب دعمها والوقوف خلفها بداية من المنتخبات العربية ممثلة في الأخضر السعودي وتونس والمغرب.

وكذلك لا نغفل عن مؤازرة المنتخبات الآسيوية إيران وأستراليا وكوريا واليابان؛ لتعزيز حظوظ القارة وزيادة مقاعدها في المونديالات القادمة.

وبالمناسبة أحيي منتخباتنا العربية على الروح القتالية التي يؤدي بها اللاعبون واستبسالهم في أرض الملعب، وبقدر سعادتي بهذه المعنويات العالية بقدر حسرتي على منتخبنا وضعف هذا الجانب في أدائه.. وكذلك الحال بالنسبة للجماهير، فالأشقاء العرب وتحديداً الحمهور السعودي حوّل المدرجات إلى كتلة ملتهبة بالأهازيج والألوان الخضراء تشعل حماس اللاعبين وتفجّر طاقاتهم في أرض الملعب، بينما جمهورنا العنابي متفرج وليس مشجعاً، لذلك حضوره وتأثيره أقل من المطلوب!

نجاح لافت

من الأشياء اللافتة والتي تثلج الصدر، الحضور الجماهيري الكبير الذي يصاحب المباريات والمستوى الفني المتصاعد والتغطية الإعلامية العالمية، مما يؤشر إلى أن هذه النسخة ماضية بإذن الله لتسجيل الأرقام القياسية لتكون النسخة التاريخية والاستثنائية وهذا هو أكبر رد على المشككين، والذين يحاولون إثارة جدل أو زوبعة في البطولة أو اختراق القوانين.. ومثل هذا النجاح صفعة قوية وصدمة مدوية لن يصحوا منها لفترة طويلة.

آخر نقطة..

البحث عن محتوى لا يبرر التوقف عند أمور تافهة لعمل قصة وقبة منها .. فما يتم تداوله عن لاعب العنابي عبدالكريم حسن في غير وقته ولا محله، فهو من الأعمدة الأساسية في المنتخب الوطني ويؤدي دائماً بروح عالية وتقييمه يجب أن يكون في الملعب وليس في السناب!

فلنرتقِ في طرحنا وندعم العنابي حتى النهاية..

ولا ننسى أن نشارك في التحدي الأكبر لإنجاح هذه التظاهرة على أرض قطر.

محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
27/11/2022
150