+ A
A -

التسول واستِدرار المال بالشفقة والمَسكَنَة أمرٌ دميمٌ جدا في كلِ حالاته، فكيفَ بِهِ إذا ما اقترَن بالدين؟ تصوَر أن الكثير من الجهود تبذَل اليوم في سبِيل إظهار وجه الإسلام الحقيقي في الداخل والخارِج، وفي المقابل تتنامَى بعض الشرذمات التي تتاجِر باسم الإسلام؛ لأجل تحقيق مآرِب ماديَة مختلفة، فالبعض يَهطل عليك، من حيث لا تعلم، فيباغِتك وأنت جالسٌ في مقهى أو تتبضَع في السوق أو حتى في مكان عملك، فيدخل عليك بلباس الورع والزهد والتقوى ليعرِض عليك بعض المشاريع الخيريَة والإنسانيَة والوقفيَة الإسلاميَة التي لا تتبِع أي جهَة رسميَة في الداخِل والخارج، ويأتيك بدِيباجَة فحواها: أهميَة التعاضد والتكاتف لبناء المجتمَع الإسلامِي العريض في كل مكان وواجِب إسهام كل صغير وكبير (مقتدِر) في تحقيق هذا الهدف، ويطلب منكَ (بكلِ وقاحَة) مبالغ بعينِها كي تسدَ (بعَونِ الله) المبلغ المطلوب استيفاءه لتحقيق مشروعٍ بعينه، وتصِل الوقاحة إلى أنَ يلتصِق بكَ دونَ فكاك، مهما حاولت ألا تَرد عليه أو تحاجِجه بالعقلِ والمنطِق وتسأل (وهو حقٌ لك) كيف يمكن الاطمئنان إلى الجهة أو المسؤول الذي سيقوم بوضع الأموال المحصَلَة في أوجه الخير المزعومة هذه؟، فالسائل (الشحَات) يضع ضحاياه، دون استحياء، أمام مشقَة بذل وعطاءٍ على كراهية، كما أنَه يلومهم، بكل وقاحَة، على تمنعِهم من العطاء مهما ساقوا له من الأسباب وهو بالأساس مالهم وحلالهم الخاص الذي لا يجِب أن يسأل في بذلِهِ أو منعِهِ أحد!هذِهِ الظاهرة بدأت تتنامى بشكل مخيف في مجتمعِنا الإسلامي، ليس فقط عبر هطولِ (المتسولين باسم الدين) فجأة علينا من كلِ مكان، بل أنَك تجدهم يحاصرونَك في كافَة أنواع برامج التواصل الاجتماعِي حيث يجدون لأنفسهم فضاء فسيحا يضم جمهورا من مختلف الأنواع والرتَب، وفي هذه المرحة تنتقِل مرحلة التسول والاستجداء هذه إلى مرحلة أكبر، حيث يبعَث لك ملفا يتضمَن معلومات وبيانات وصور تدعَم مزاعمة، فإن كان التحصيل (الخيري التسولِي) مرادا بِهِ تأسيس مدرسة للأطفال المسلمين في إحدى الدول الفقيرة سيعرِض عليك صورا لوثائق مختومة وموقعة تؤِكد شراء المحصِل أو الفريق الذي يعمل معه لقطعة أرضِ ذات امتيازات معينَة حتى تبنَى عليها مدرسات الأوهام هذه، وقِس على ذلك من أشكال التسول والاستجداء التي تصِل إلى مراحل بعيدة لا يمكن تصورها، فمنذ أيامٍ، على سبيل المثال، وصلتني شخصيا رسالة عبر الفيس بوك يعرِض فيها صاحبها صورا لطفلتِه (كما زعَم) وهي مصابة بمرض جلدي نادر، الصور المرسلَة تبيِن جسدا عارٍ لطفلة صغيرة لم تكمِل الخمسة أعوام مصابة بنوعٍ من الطفَح الجلدي الشديد! نعم صورة كهذه مرسلَة من أبٍ يريد أن يجِد من يساعده في علاج ابنته الصغيرة، أبٍ يفترَض أن يكون أحرَص الناس على ابنتِه! هل يعتقِد هؤلاء أن كلِ الناس حمقى؟ وأنَ عشرات التجارب التسولِيَة الناجحة التي يقوم بها هؤلاء لا تعنِي أن الوعي والمنطق قد غابا عن عقل الجماهير في أيِ مكان. هؤلاء النصابون كأنَهم ينتظِمون في شبه نظريَة جديدة في مجال التسويق مفادها (كل منتَج مشروع تقحِم فيه اسم الإسلام ينجَح)، تجِد أنَ صناعة النصب والاحتيال باسم الإسلام أطلقت مواهبهم المختلفة، فمنهم من يزوِر في أوراق رسمية، ومنهم من يمثِل عليك دور الورَع والتقوى أو حتى يمثِل عليك، ولعمري، مضمار التمثيل وجدنا فيه العجب، فتجِد المصاب بمرضٍ أو حادث، الفاقِد لأحد أعضائه، المدَعِي الجنون والبلاهَة، المديون، الذي يقسِم كذبا وزورا، باسم الله العلي العظيم، على كلِ شيء لتصدقَه وتعطِيهِ ما يريد، والأدهى من كلِ ذلك أن يستخدم الأطفال الصغار في تحقيق هذه المآرِب التسوليَة فهم تبَعٌ لا حولَ لهم ولا قوَة.إنَ هؤلاء لا يقومون فقط بنشر صورة سوداء عن الإسلام الذي يتسولون من خِلاله، بل كذلك يجعلوننا نرتاب ونهاب كل من يعرِض علينا مشروعا (حقيقيا) يراد بِه الخير والإغاثة والثواب، وأعتقِد أن دور كل فردٍ منَا لا يقتصِر على عمل (بلوك) لهم في منصَات التواصل الاجتماعي أو حتى الاعراض عنهم وتجاهلهم عند التواصل المباشر، فهذا موقفٌ ضعيفٌ جدا لا يؤدي إلى إصلاح هذه الظاهرة التي أصبحت تتفشَى في شكل عصابات متخصَصة في الشحاتة والتسول تحت شعارات دينيَة مختلفة، بل يجِب نهرهم وتهديدهم والإبلاغ فورا عنهم ما استطعنا لذلك سبيلا، فإن استحيينا وخشَينا جميعا من الشِكاية عليهم في الجهات الرسميَة، فمن سيوقِف زحفهم وتمددهم كل يومٍ وساعة، وأعلم أنض الأمر صعبٌ ومعقَد في فضاء الإنترنت الافتراضِي، لكنَ الأمر سهل وممكن بالنسبة للشحاتة على أرض الواقع، فالإبلاغ عنهم لا يستهلِك من العمر إلا دقائِق.***يقول الله عزَ وجل في سورة البقرة: «لِلْفقَرَاءِ الَذِينَ أحْصِروا فِي سَبِيلِ اللَهِ لَا يَسْتَطِيعونَ ضَرْبا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبهم الْجَاهِل أَغْنِيَاءَ مِنَ التَعَففِ تَعْرِفهم بِسِيمَاهمْ لَا يَسْأَلونَ النَاسَ إِلْحَافا ۗ وَمَا تنفِقوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَ اللَهَ بِهِ عَلِيمٌ».

copy short url   نسخ
04/06/2022
295