+ A
A -

هو اليوم المنتظر، والأمسية التاريخية، التي طالما حلمت بها شعوب وأمم، هي الساعات والدقائق الأطول ترقبا، والاستعدادات الأكثر تأهبا.. هي الترتيبات الأضخم والمنشآت الأفخم.. هي تاريخ يكتب ومجد يسطّر وإنجازات تدوّن بماء الذهب، هي ليلة كل العرب.. وكل البشر.. تتراقص فيها أجمل المعاني في قالب إنساني.. تجمعنا المحبة والاحترام وكل القيم الجميلة، هي باختصار ليلة من ألف ليلة.

صافرة البداية لمونديال العرب من عاصمة الرياضة تحول العالم بأسره للحديث عن هذه البطولة الاستثنائية، واجتاحت أخباره وصوره وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، فلا صوت يعلو عليه، والكل ينتظر حفل افتتاحه بما هو متوقع من إبهار وإبداع، ويتشوق لمبارياته، ويترقب فعالياته، ويتأهب لمتابعة فقراته. اليوم ينخفض صوت الساسة، ويهدأ رجال الأعمال والاقتصاد، وتتوارى أعمال الفن والسينما عن المشهد، مع قدوم الضيف الكبير ملهم الجماهير..

العالم اليوم ضبط عقارب ساعته على توقيت الدوحة، وركز أنظاره على «بيت قطر الكبير» وانصهر بجميع أطيافه واهتماماته وثقافاته ليوثق انطلاق المونديال الحلم.

أصبح العالم يتنفس كرة قدم، وتحولت كل قطاعاته ومنصاته لمتابعة أحداث المستديرة في كل صغيرة وكبيرة.

اليوم نصل لضربة البداية بعد سنوات من العمل الدؤوب والصبر والعزم والتحدي، ومواجهة كل الظروف بشعار يميز كل أهل قطر وبمعانٍ ملهمة، تقود للإنجاز، وتنظر للأمام، ولا تلتفت للخلف.. نعم «وحدتنا مصدر قوتنا».

فهذا الشعار المقتبس من خطاب لصاحب السمو أمير البلاد المفدى قائد مسيرتنا، مصدر إلهام كبير لكل من ساهم في هذا الحدث، منذ اللبنة الأولى، وصولاً لهذه اللحظة التاريخية، وما بينهما حدثت أعمال أشبه بالمعجزات، وأفعال تحولت إلى إنجازات.

اليوم تتدفق الحشود إلى استاد البيت، ومعها مليارات من البشر، في كل أنحاء العالم، أمام شاشات التليفزيون لمتابعة الحدث الذي طال انتظاره.. بجماله.. بإبداعه.. بإبهاره.

عرس كروي حقيقي لن يتكرر، سوف يعكس مكانة وإمكانيات بلد لطالما آمن بقدرات أبنائه، وبطموحات أمته، ومكانتها بين الأمم، فقرر أن يقدمها للعالم بوجهها الحقيقي وثرائها الثقافي ومكوناتها الحضارية، من أجل تغيير تلك الصورة النمطية عن منطقة أراد لها خصومها أن تبقى بعيدا عن ركب الأمم.

اليوم سيشاهد العالم بأسره كيف استطاعت سفينة المونديال القطرية أن تشق طريقها وسط الأمواج العاتية، وأن تواجه كل التحديات بعزيمة وصبر وحكمة، لتفشل جميع المؤامرات البغيضة والحملات الممنهجة التي حيكت على أمل سحب تنظيم هذه البطولة، والتي تكسرت جميعها على صخرة صمود قطر وإيمانها التام بحقها، وحق العرب جميعا في تقديم نسختها التي ستكون الأفضل بإذن الله.

نجحت قطر في التصدي لكل المحاولات، وأفشلت موجة الأكاذيب والإشاعات، بقوة الحق والصدق والمنطق، وأثبتت للجميع أن «عملها واضح ومكشوف وليس لديها ما تخفيه أو تخاف منه، فانهارت هذه الإدعاءات تباعاً وأصبحت خزعبلات متناثرة على قارعة الطريق لا قيمة ولا وزن لها».

وبالأمس نسف جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم هذه الهرطقات التي استمرت سنوات في دقائق معدودة، مؤكداً أن قطر ترحب بالجميع، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو توجههم أو معتقداتهم، لحضور نهائيات كأس العالم التي لطالما اعتبر أنها ستكون الأفضل في تاريخ المونديال.

إنفانتينو كان صريحا للغاية في تناوله للانتقادات التي تم توجيهها لـ «فيفا» ولدولة قطر، خلال الفترة الماضية بما يتعلق بالكثير من الأمور، معتبراً أن تلك الانتقادات غير منصفة ولا تنطوي على الحقائق، مشدداً على أن «فيفا» لا يرضخ للضغوط ولا يتصرف بناءً على ما تمارسه بعض وسائل الإعلام من انتقادات، ولا يتبع نظام «رد الفعل».

صراحة إنفانتينو تحسب له، ولموقعه على رأس الاتحاد الدولي لكرة القدم، وعندما أبدى دفاعه عن حقوق العمال في قطر وأشاد بما فعلته عبر تغيير الكثير من القوانين والأنظمة، لم ينس أن يشير إلى أن الأمر احتاج إلى وقت طويل في أوروبا قبل الوصول إلى ما هي عليه اليوم، لذلك لم يقبل أن تملي بعض «المنابر العالية» دروساً في الأخلاق، ولم يقبل إملاءات الإعلام بسبب نظرته المزدوجة، مشيرا إلى مناسبة تعزز وجهة نظره عندما حضر فعالية تخص ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان عدد الصحفيين الحاضرين أربعة فقط، في حين أنه عند الحديث عن حقوق العمال تداعى آلاف الصحفيين للحديث عن الأمر.

في مؤتمره الصحفي سرد إنفانتينو الكثير فيما يتعلق بتغيير الأمور بالنسبة للعمال، وهذه نعرفها ويعرفها القارئ أيضا، كما تناول المطالب بالتعويضات المالية للعمال، مشيرا إلى تأسيس قطر صندوقا لدعم العمال حيث تم تخصيص مبلغ لا يقل عن «350» مليون دولار أميركي، تم صرفها للعمال على شكل تعويضات، ومعادلة فوارق أجور وأمور، كلها تؤكد الحرص الكبير على إعطاء العمال كامل حقوقهم.

وأعلن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عن إطلاق «صندوق إرث كأس العالم FIFA قطر 2022» حيث سيكون هناك مجال واسع للاستثمار من قبل الجميع في هذا الصندوق، الذي سيعنى بالتعليم في العالم في المقام الأول، وخصوصا تعليم الأطفال من أجل بناء مستقبل أفضل للشعوب.

لقد وضع الحقائق أمام الجميع، وتحدث دون مواربة وهو يعلن فخره مرة تلو المرة بقدرة قطر على استضافة النسخة الأفضل من كأس العالم، مشيراً إلى أن الانتقادات التي وجهت لدولة قطر غير منصفة، قبل أن يطالب الأوروبيين بتقديم اعتذار للشعوب قبل إعطاء الدروس، مشيرا إلى أن ظروف العمال في دولة قطر أفضل من ظروف المهاجرين في أوروبا، وأن العديد من المؤسسات الدولية أقرت أن معايير حقوق العمال في دولة قطر مشابهة لمعايير حقوق العمال في أوروبا، وسيكون هناك مقر دائم للعمال في دولة قطر يتبع لمنظمة العمل الدولية، الأمر الذي يعد تقدماً كبيراً في هذا السياق.

لم ينس إنفانتينو أن يذكّر الأوروبيين أيضا بأن العديد من مؤسساتهم تعمل في قطر، وتجني أرباحاً مالية، ليعود ويؤكد من جديد أن أوروبا غير قادرة على تقديم ما قدمته قطر من دعم في ملف العمال.

لقد وضع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم النقاط فوق الحروف، وأسقط الأكاذيب واحدة تلو الأخرى، وما سمعناه يؤكد حقيقة واحدة، وهي أن الحملة غير المسبوقة التي تعرضت لها قطر تقوم على أسس عنصرية بحتة، ونضيف لها الحسد والغيرة.

والآن على العالم بأسره أن يستمع للرجل الذي تهمه الحقائق في المقام الأول، وقد أدلى بما لديه وهو يشكل إدانة واضحة لحملات التضليل التي جعلناها منذ اللحظة الأولى وراءنا، وندعو أن يكون الاستمتاع بهذا المونديال هو النقطة التي تجمعنا.

لم يسبق وأن شهد مونديال كأس العالم مثل هذا الحجم من الهجوم، رغم أن «كأس العالم روسيا 2018»، تعرض لهجوم غربي قوي أيضا، وهو الأمر الذي يؤكد أن دافع الهجمات ضد قطر هو العقلية الاستعلائية، وانتشار التطرف اليميني، والإسلاموفوبيا، وكلها أمور تشابكت لتزيد الحملات الإعلامية، لكن كلها ذهبت أدراج الرياح.

كل هذا أصبح خلف ظهورنا، فالشواهد وحدها هي من يتحدث الآن على أرض الواقع، وانطلاق البطولة اليوم سيكون الرد الأهم، ونحن نتطلع إلى الافتتاح، وكلنا ثقة بأنه سيكون في مستوى ما عملنا عليه طيلة السنوات الماضية، وكلنا ثقة أيضا بقدرة منتخبنا الوطني اليوم على تسجيل حضور مشرّف في أول مباراة له في تاريخ كأس العالم، في حضور جمهوره الوفي.. وأهلاً بالجميع في دوحة الجميع .. فهذي قطر بيت لكم وظلال.. هذي قطر شمس لكم وهلال.

محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
20/11/2022
355