عندما غضب نتانياهو واستدعى سفيره في اليونسكو «للتشاور» فإن هذا هو أقل رد فعل على الضربة النجلاء الثانية التي وجهتها سكين اليونسكو إلى إسرائيل خلال أيام.
الضربة المزدوجة ليست قليلة ولا بسيطة ولا ثانوية ولا ضربة يمكن إصلاحها، بل جاءت في صميم دولة إسرائيل المزعومة وهدمت كلياً روايتها الخاصة باحتلال اليهود للقدس، حيث ثبت بالدليل الذي يستحيل دحضه أن القدس بشطريها مدينة عربية إسلامية دون منازع.
وعندما أكد اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) الأسبوع الماضي أن المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف هما اسمان مترادفان لمكان واحد ليس لغير المسلمين أي صلة فيه، فقد ترنحت الدولة العبرية فوق قراراتها المضللة التي استمرت منذ ما قبل حرب «1948».
أما ضربة الأربعاء الأخير فكانت السيف الذي بتر رأس إسرائيل بالمعنى الحرفي للكلمة، وذلك عندما تبنى اليونسكو من خلال لجنة التراث العالمي التابعة له والمؤلفة من إحدى وعشرين دولة، الوضع كما كان قبل حرب «1967» والمستند إلى التعريف القرآني الإسلامي والتاريخي للمسجد الأقصى على أنه كامل الحرم الشريف وانه مكان عبادة خاص للمسلمين وحدهم وأن الحائط الغربي هو حائط المسجد الأقصى، وليس حائط المبكى المزعوم.
ومن أهم ما جاء في القرار الذي رفضته إسرائيل والولايات المتحدة فقط، أنه تضمن التأكيد على عدم شرعية أي تغيير أحدثه الاحتلال في بلدة القدس القديمة وذلك بناء على المواثيق الدولية مثل مواثيق جنيف ولاهاي وقرارات اليونسكو والأمم المتحدة.
ويطالب القرار إسرائيل بإزالة القطار الخفيف من جوار أسوار القدس القديمة، ووقف جميع مشاريع التهوية مثل «بيت هيلبا» و»بيت شتراوس» والمصاعد الكهربائية والتلفريك الهوائي، وإزالة آثار الدمار الناجم عن هذه المشاريع، كما رسخ القرار التاريخي الجديد المكاسب الهائلة التي حققتها الأردن والتي يأتي في مقدمتها الاعتراف الرسمي برعايته التاريخية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية وعلى وجه الخصوص المسجد الأقصى المبارك الذي هو نفسه الحرم القدسي الشريف الذي سعت إسرائيل طويلاً لوضع فروق بين التسميتين لإحداث الإرباك والفوض.
لن تسكت إسرائيل، لكن الهزة كبيرة والصفعة مؤلمة والحقيقة طاغية، خاصة وأن القرار الجديد نظر في إحدى فقراته إلى الأقصى كجزء لا يتجزأ من أحد مواقع التراث العالمي، ويحدد أن المقصود هو البلدة القديمة للقدس وأسوارها التي كان الأردن قد سجلها منذ عام «1981» على لائحة التراث العربي الإسلامي.
وكرر القرار إدانة اقتحامات المستوطنين الإجرامية وقوات الاحتلال المستمرة للمسجد الأقصى، وحث على منع جميع الإهانات والانتهاكات الإسرائيلية لبوابات وشبابيك المسجد القبلي والبلاط التاريخي لقبة الصخرة المشرفة.. درس كبير لهمج فلسطين.
مختصر الكلام.. لا مكان لإسرائيل عندنا، في انتظار أن نسمع شيئاً من محمود عباس الصامت حتى الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم (أمس) عندما كتبت المقال. يمكن زعلان على زعل معلمه!
بقلم : مازن حماد