تفرض اللغة أدواتها وتعبيراتها على العاملين الدبلوماسيين وتوصلهم ضرورات العمل إلى استخدام لغة غامضة وناعمة ومهادنة بحثاً عن فرص النجاح وتلطيف الأجواء المتوترة وأمل التسوية بين الفرقاء والمختلفين والمتحاربين.
الأسبوع الجاري كان المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحد اللاعبين الكبار في حقل اللغة الناعمة بحثاً عن مخرج لأزمة اليمن، ونجاح لهدنة ولدت ميتة.. فذهب يتحدث عن سلاح الأطراف المتنازعة، وخروقات للهدنة من جميع الأطراف، وضرورة التزام الطرفين بوقف الأعمال القتالية وصولاً إلى دعوة الطرفين لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمختطفين!.
التشدد في الحصافة هنا أدى إلى نتيجة سلبية للغاية في كلمة ولد الشيخ عند وداع صنعاء، إذ يمكننا إيجاد مبرر لحذلقته الدبلوماسية عند الحديث عن سلاح الأطراف المتحاربة، حتى وإن كان لا يفرق بين سلاح تقليدي حملته أكف الضرورة لمقاومة من أسقط دولتهم، وسلاح دولة نهبته ميليشيا وعززت ترسانتها بأسلحة إيرانية، وسنجد مبرراً آخر للغة ولد الشيخ عن خروقات الهدنة من الطرفين، وسنقول هي حرب بين عدوين وليست نزهة، ومن الطبيعي أن يقتنص كل طرف فرصته، حتى وإن كان واضحا لكل المجتمع الدولي من الطرف المعرقل، ومن نسف جهود 100 يوم من المشاورات في الكويت، ومن الطرف الذي أرسل صواريخه وقاذفاته لدك الأحياء السكنية المكتضة بالسكان في مدينة تعز، ومن الطرف الذي أرسل أكثر من 10 صواريخ بالستية على مدينة مأرب خلال الهدنة، ومن الطرف الذي أرسل صواريخه ومسلحيه للاعتداء على مدن الجوار السعودي.
ما ليس مقبولاً أبداً في كلمة ولد الشيخ الأخيرة هو تمييع قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الميليشيات الحوثية، الذين تجاوز عددهم 8 آلاف معتقل بينهم 2600 معتقل حالاتهم موثقة بالاسم والصورة وزمان ومكان الاعتقال، وفيهم سياسيون وإعلاميون ونشطاء حقوقيون وقانونيون، وبينهم من تم اختطافهم من منازلهم ومقرات أعمالهم ومن الشوارع والأسواق؛ وحين التقى ولد الشيخ أمهات وأهالي المعتقلين والمختطفين وسمع شكاواهم خرج في خطابه يدعو «جميع الأطراف إلى سرعة الإفراج عن المعتقلين والمختطفين!».
ليس لدى الإعلام أو لدى كامل المجتمع الدولي بلاغ واحد عن حالة واحدة اختطفها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من منزل أو مقر عمل أو شارع.. وهذا أمر يتوجب على ولد الشيخ اتخاذ موقف جاد ولغة حازمة، حتى لا تتميع القضية وتذوب معها شخصيته كمبعوث أممي، وحتى لا تختطفهم لغته الدبلوماسية مرةً أُخرى.
كما ليس مقبولا منه أن تغفل كلمته التحذير من الاستمرار في تجريف مؤسسات الدولة، والتوقف عن اتخاذ قرارات أحادية تغذي الصراع وتعزز فرص الحرب بدل السلام، فقد عملت الميليشيات منذ فشل مشاورات الكويت وحتى الآن على إصدار أكثر من ألف قرار تمنح المحسوبين عليها وظائف عليا في الدولة، بل تجاوزوا ذلك إلى اصدار قرارات بفصل المعارضين لهم من الوظيفة العامة.
ولد الشيخ قال أيضاً أنه قدم لشركاء الحرب والخراب صالح والحوثيين نسخة من تصوره «للحل العادل والشامل والضامن لتحقيق السلام في اليمن»، دون الإفصاح عن هذه المبادرة التي من المرجح أن تكون مزيجاً بين رؤيتين متناقضتين مطروحتين على طاولة القيادة الشرعية هما رؤية الولايات المتحدة (وقدمها جون كيري وزير خارجية أميركا) ورؤية الأمم لمتحدة وقدمها مبعوثها إلى اليمن ولد الشيخ.
وحتى تستجيب جميع الأطراف لرؤية ولد الشيخ التي وصفها بالعادلة والشاملة وتذهب إلى مشاورات معمقة بشأنها، ستظل– بالنسبة للإعلام- رؤية غامضة لا يُعرَف منها إلا ما سمح السياسيون بتسريبه إلينا!.

بقلم : عارف أبوحاتم