يعيش رئيس »التيار الوطني الحر« العماد السابق ميشال عون خريف العمر (82 سنة) ينتظر قدوم كرسي رئاسة الجمهورية إليه. يريد ان يكلل حياته العسكرية والسياسية بتبوؤ أعلى منصب في الدولة اللبنانية. انه حلم حياته منذ حملته ظروف الحرب عام 1988 الى دخول القصر الرئاسي كرئيس لحكومة عسكرية مؤقتة مهمتها العمل على تنظيم انتخاب رئيس للجمهورية. سكن عون قصر بعبدا إذن كرئيس حكومة وليس كرئيس للجمهورية، يوم كان الرئيس يتمتع بصلاحيات مطلقة. ولكنه لم يعمل يومها ابدا على تنظيم انتخابات رئاسية بل سعى الى تحويل التكليف الذي أعطي له الى تفويض مطلق لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية.
مكث عون سنتين في القصر الجمهوري، وشن حروبا عبثية، مرة ضد الجيش السوري، وأخرى ضد »القوات اللبنانية« التي تحولت الى صراع مسيحي - مسيحي تمكن عون بعد ستة وعشرين سنة (2016) من بلسمة جراحها مع سمير جعجع. وفوق ذلك كان هناك حكومة أخرى سابق وجودها يترأسها العصامي سليم الحص تنافسه الصلاحيات والنفوذ. الجنرال يريد إذن ان يصبح رئيسا بالفعل لا بالقوة وان يتذوق طعم السلطة الفعلية مثل كبار الجنرالات الذين حكموا في أكثر من بلد في العالم خلال حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولو ان الرئاسة في لبنان لم تعد كذلك.
فهذا هو هدف رئيس »التيار العوني« وهذا هو طموحه الأساسي والوحيد منذ ان أخرج من القصر الرئاسي بالقوة وذهب منفيا الى باريس وعاد منها عام 2005 على اثر اغتيال رفيق الحريري. يريد ان ينتخب ويكرس تفسه »رئيسا قويا« كما يردد أنصاره بفعل الشعبية التي اكتسبها في السنوات الأخيرة بفضل التحالف الذي اقامه مع »حزب الله« (2006) والذي منحه الشعبية والأفضلية في المناطق ذات الأكثرية الشيعية او التي فيها الصوت الشيعي المرجح. وقد ربى عون أنصاره وجيشهم على هذا الهدف النبيل، لدرجة ان كل المعارك السياسية خيضت وجندت في هذا الاتجاه وتم تعطيل إنتخابين رئاسيين منذ عودته (2007 و2014) لأنه يريد ان يكون هو الرئيس، ولا يرضى بانتخاب أحد غيره!
وفي كل مرة كان حليفه »حزب الله« يتهرب من اعلان موقف داعم لترشيحه، الى ان اضطر مؤخرا الى اعلان تأييده له بعد ان وقف الجنرال الى جانبه في حرب يوليو 2006، وخلال اجتياحه لبيروت عام 2008. عرف »حزب الله« كيف يقرب التيار العوني منه ويسحبه الى جانبه و»يدجنه« بعد ان كان عون من أشد المعارضين لسلاحه. كان »حزب الله« بحاجة لتغطية داخلية، وبالأخص مسيحية، لسلاحه الخارج على شرعية الدولة بعد انتفاء مبرر استمرار المقاومة. وقد حرص الحزب على الوقوف على خاطره في كل المحطات السياسية المفصلية، وعمل على تحريضه على الحريري وعلى السنية السياسية، التي صور له انها العائق الرئيس أمام تحقيق طموحه الرئاسي، ما دفع بعون الى اسقاط حكومة الحريري التي كان شريكا أساسيا فيها، في اللحظة التي كان يهم رئيس الحكومة فيها بدخول البيت الابيض للقاء اوباما في نهاية عام 2010، رغم ان »اتفاق الدوحة« الذي وقع في مايو 2008 بين مختلف الأطراف اللبنانية ينص على عدم اسقاط الحكومة تحت أي ذريعة كانت قبل انتهاء دورة البرلمان التشريعية.
اليوم، وبعد مرور أكثر من سنتين على شغور موقع رئاسة الجمهورية تختلط الأوراق مجددا وتتحول المنافسة الى مواجهة داخل الصف الواحد أي بين عون وحليفه سليمان فرنجية، والأثنان حليفا »حزب الله«. وفيما يستعد الحريري لتبني ترشيح عون في محاولة منه للخروج من المأزق الرئاسي، جاءته المفاجأة هذه المرة من حلفاء عون أنفسهم اي رئيس المجلس نبيه بري وفرنجيه ووليد جنبلاط.
فهل ضاعت فرصة العمر مجددا أمام الجنرال، وسط معلومات عن رفض سوري لعودة الحريري الى الحكومة!

بقلم : سعد كيوان