+ A
A -

النوستالجيون يستعيضون بالاستشراق بشمس الغياب ويتعمدون استغراب أقمار الحاضر

النوستالجيون يدربون الحاضر على احترام الماضي

النوستالجيون يبخسون اليوم، ويقايضون الغد بلحظات الأمس الأثمن

النوستالجيون يفرطون في التعلق بالأبيض والأسود ولهم وله بالشفّاف وعشق خاص للباستيل

للنوستالجيين نفوس عافت التجاوب مع المتاح، فشغفهم هو المُحال

إنهم ينشبون معركة مع النسيان في محراب الخيال، لينصرون جيش الذكريات

إنهم يكترثون بالافتراضي المُرَمَم بسحر أتربة زماااااااااااااااااان

ثم إنهم يبترون جغرافيتهم لترقيع تاريخهم

النوستالجيون يقيلون لوحة للفنان الشهير«فابيان بيريز» شغفًا بوضع برواز عتيق، مخدوش لصورة فوتوغرافية ممزقة لا ألق فيها، لكونها مُظَهّرة بحروف، بخط إنسان أغلى من القلب.

{{{

النوستالجيون يزهدون في شقة مطلة مباشرة على البحر، إعلاءً للشُرفة الجانبية ببيت جدتهم.

النوستالجيون يُسعفون لحيظة ماتت، لإحيائها برفع ذكراها، للقبض على جمر الرحيل أو لملامسة نسيم غوالي مروا بأزقة الحياة.

النوستالجيون يعبثون مع حلم يقظة شفاف يعلمون أن أرصدته مكشوفة وحساباته وهمية.

إنهم يرتوون من مٌقل بات ماؤها يقرع الخدود حتى صارت أخاديد، أسفًا على البعاد.

إلهامٌ ما، يدفع النوستالجين لتحمل بؤس واقعهم، أملًا في تدشين احتفالية لذكرى الغد بإستخدام«السيلفي» مع أسلافهم وأخلافهم، أما النوستالجي المخضرم فلا يحتاج «لسيلفي»، فقد سرق الحدث من الدهر، وحجية الحدث بحافظة فكره.

{{{

النوستالجيون لا يضعون أرصدتهم من أحداث يومهم في حساباتهم الجارية، بل في التوفير. ذاك الذي سيسحبون منه لآخر العمر.

النوستالجيون يتعاطون مع واقعهم، كما مع زرابيّهم من البُسط، فكما السجاد تزداد قيمته كلما دهسته الأقدام، كذلك ترتقي قيمة إحداثياتهم اليومية بمرور الدهر.

{{{

الذكريات هي هوامش الماضى، قشور دنيانا، يُسقطها الجاهل، فيما يدرك النوستالجي أن جُلّ الفيتامينات في القشور، وأن الملاحظات الهامة لا تُسطر سوى على الهامش.

إننا بإزاء قوم يجدون السلوى في تذكار أنّات مضت، لاجترار التلذذ بذكرى العناية الفائقة المُهداة لسُعالِهم في الصِغر.

النوستالجيون واعون لقيمة مشاعرهم الشابة، فتراهم كما أشار ديستويفسكي يثمنون أخطاءهم الطازجة، عن صوابيات كهولتهم المحفوظة.

النوستالجيون يسيرون بجانب حائط السراب، ظمأ لشَربة مستخرجة من آبار سَبتِهم، آحادهم وجُمعهم، ثم يقومون بتصفية الآبار لانتقاء أعذب اللحيظات، لادخارها بحويصلة خيالاتهم لتدفئتهم بشتاء العمر.

النوستالجيون يميلون للأخشاب لا للفوميه، للانتيك والفينتاتج، لا للمودرن، لمربى الجدات لا لـ «فيتراك»، للتليفون الأرضي، لا للجوال.

النوستالجيا جمرة في الذاكرة، يؤججها الرحيل ولا يخمدها رماد مراح السالي، لكن يطفئها الشنآن.

النوستالجيا هي نزهة في مروج الذاكرة وسياحة بين مدن الذكريات.

إنها سطوة الماضي المستحيل على عجرفة الحاضرالممكن.

إنها مادة تحصين نحقن بها واقعنا، لوقاية جزء مختار لآثارنا من الطمس.

النوستالجيا هي إصدار قرار بإسقاط حكم الإعدام من قانون الذكريات.

النوستالجيون يُخَّلِدون الذِكريات، تُراهم يَخْلُدُون؟

copy short url   نسخ
05/11/2022
135